كتاب " صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا) " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)
وقد وصف ابن الخطيب تلك الحقبة قائلا ((وذهب اهل الاندلس من انشقاق والانشعاب والافتراق الى حيث لم يذهب كثير من اهل الاقطار, مع امتيازها بالمحل القريب, والخطة المجاورة لعباد الصليب, ليس للأحدهم في الخلافة إرث ولا في الإمارة سبب ولا في الفروسية نسب ولا في شروط الامامة مكتسب, اقتطعوا الأقطار واقتسموا المدائن الكبار, وجبوا العملات والامصار وجندوا الجنود, وقدموا القضاة وانتحلوا الالقاب, وكتبت عنهم الكتاب والاعلام وانشهدهم الشعراء, ودونت بأسمائهم الدواوين وشهدت بوجوب حقهم الشهود, ووقفت بابوابهم العلماء, وتوسلت اليهم الفضلاء..... )) ([102]).
وقال فيهم ابن فرج الالبيري – السميسر ([103]): -
نادِ المـــــــلوك وقـــــــــل لهم
ماالذي احدثتم
أسلمتم الاسلام في
أسر العدا وقعدتم
وجب القيام عليكم
اذ بالنصاري قمتم
لا تنكروا شق العصا
فعصا النبي شققتم
فكان الانهيار سمة غالبة على هذا العصر([104]) على الرغم مما قيل عن التقدم الثقافي الذي كان نتيجة قوة دفع سابقة.
أما أهم هذه الدويلات والادارات فهي: -
دولة بني جهور
بعد خلع المعتد بالله واضطراب الامور وضياع الامن والاستقرار, اجتمع اهل قرطبة لاختيار مجلس رئاسي يقوم بادارة مدينتهم وما يقع تحت سلطتها, فاختاروا في منتصف ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين واربع مئة ابا حزم بن جهور لرئاسة هذا المجلس بنظام الشورى، فاجاد السياسة والادارة ودبرها بالجد والحزم والتواضع, ومتى سئل قال: (( ليس لي عطاء ولا منعٌ هو للجماعة وانا امينهم )) ([105]) وفرض احترامه على بقية الملوك وفرق السلاح على اصحاب الدكاكين وفي البيوت, حتى اذا دهم امر في ليل ونهار, كان سلاح كل واحد معه, وكان يشهد الجنائز ويعود المرضى, وفي عهده رخصت الاسعار وازدحمت الاسواق ولم يتحول عن داره واحسن ترتيب الجند([106]) ، ونسب اليه صاحب المطمح البيتين الاتيين له وقد وقف على قصور الامويين بعد ان تقوضت ابنيتها ([107]): -
قلت يوما لدار قوم تفانوا
اين سكانك العزاز علينا
فاجابت: هنا اقاموا قليلا
ثم ساروا ولست اعلم اينا
وقال فيه ابن زيدون قصائد كثيرة منها الابيات الاتية ([108]): -
هو الملك المشفوع بالنسك مُلكهُ
فلله ما يخفى ولله ما يبدو
لقد اوسع الاسلام بالامس حسبةً
نمت غرض الأجرالجزيل فلم تَعدُ
اباح حمى الخمر الخبيثة حائطا
حمى الدين من أن ُيستباح له حد
وكان ابن جهور قد امر بكسردنان الخمر, وتوفي في سنة خمس وثلاثين واربع مئة, فرثاه الشعراء منهم ابن زيدون بقصيدة طويلة مطلعها ([109]): -
الم تر أن الشمس قد ضمَها القبر
وأن قد كفانا فقدها القمرُ البدرُ
فصار الامر لابنه ابي الوليد بن الجهور, فحاول في اول حكمه السير على نهج ابيه, فأقر الحكام وارباب المراتب في مناصبهم, وقرب العلماء والادباء, وكان من بين معاونيه ابن حيان المؤرخ وابن زيدون قبل ان يسجن, فساد الامن وبدا افضل ما كان عليه في الدولة الاموية والعامرية وتنافس ابناه على السلطة في حياته, فوزعها بينهما ثم قدم ولده الاصغر عبد الملك وأنشد في ذلك قول ( عبد الملك بن ادريس الجزيري ) ([110]):
واذا الفتى فقد الشباب سما له
حبُ البنين ولا كحب الاصغر
فاساء عبد الملك السيرة واستبد بالسلطة وقتل وزيره ابن السقا في سنة 445 هـ الذي يعود الفضل له في ضبط المملكة لمدة خمس سنوات, وغلب على اخيه وسجنه في بيته وقرب السفهاء, والشيخ ابو الوليد قعيد في بيته عن شلل لاحول له ولاقوة.
وفي سنة 462 هـ دلف المامون يحيى بن ذي النون من طليطلة قاصدا غزو قرطبة فاستغاث عبد الملك بصديقه المعتمد, فارسل اليه الفرسان والجند تحت امرة قائدين بارزين فنزلوا بالربض الشرقي للمدينة, فلما رجع ابن ذي النون, اقتحمت قوات المعتمد بن عباد الابواب, مستغلين النقمة الشعبية واضطراب الاحوال السياسية والاجتماعية ودعوات عدد من اعيان قرطبة للمعتمد, فاحتلوا المدينة والحقت بمملكة بني عباد في اشبيلية ونفوا اَل جهور منها ولما خرج الشيخ رفع يديه قائلا (( اللهم كما اجبت الدعاء علينا فاجبه لنا )) فمات بعد اربعين يوما من ذلك ([111]) في حين فرح المعتمد وصورها عروسا زفت اليها قائلا ([112]): -
من للملوك بشأو الاصيد البطل
هيهات جاءتكم مهدية الدول
خطبت قرطبة الحسناء إذ منعت
من جاء يخطبها بالبيض والاسل
وكم غدت عاطلا حتى عرضت لهـــا
فاصبحت في سري الحلي والحلل
وتولى ابو عمرو سراج الدولة بن المعتمد حكمها وادارة شؤونها, وفي 467 هـ هجم عليها ابن ذي النون بقيادة ابن عكاشة خلسة ليلا في مؤامرة محكمة, فقتل سراج الدولة واستولى على المدينة, وحزن المعتمد بن عباد على ولده وذكره في قصائده حتى بعد زوال ملكه ومقتل اولاده الاربعة ([113]):
وقبلكما قد اودع القلب حسرة
تجدد طول الدهر ثكل أبي عمرو
واخذ المعتمد يعد العدة وبعد ثلاث سنوات هجم على المدينة وبعد معارك طاحنة اعادها وطارد ابن عكاشة وقتله وعين ابنه المامون الفتح حاكما عليها الى سقوطها بيد المرابطين سنة 484 هـ ([114]).