أنت هنا

قراءة كتاب أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

كتاب " أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

ب/ في تحديد المفاهيم

تتداول الكتابات والتصريحات والمحاضرات في مجال تعليم الدين مصطلحات تعتبر مترادفة وغير متمايزة كالتعليم الديني، وتعليم الدين، وإدماج القيم الدينية في المناهج الدراسية، رغم ما بينها من اختلاف ظاهر للمتأمل، ومعلوم أن الخلط في المفاهيم التي تعتبر مداخل للمعنى يؤدي إلى خلط في النتائج، لذلك آثرنا في هذه المقدمات أن نتناول المفاهيم التي تشكل مفاتيح للموضوع بتحديدات معينة على ترتيب نتائج واضحة في ذهن القارئ:

التعليم الديني

عرف العالم الإسلامي ظهور مصطلح "التعليم الديني" إلى جانب "التعليم العام العصري " في بداية فترة الاستعمار نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين تم الفصل بين العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم البحتة، وبين علوم الشريعة واللغة العربية في مناهج كبريات الجامعات الإسلامية في القاهرة وفاس والقيروان، بعد أن كانت المناهج التعليمية في هذه الكليات مندمجة ومتعددة التخصصات، يدرس فيها إلى جانب علوم الشريعة واللغة العربية علوم الطب والفلك والفيزياء والطبيعيات وغيرها، انطلاقاً من فلسفة النظرية التربوية الإسلامية القائمة على وحدة الهدف من باقي العلوم وهو معرفة الخالق وسياسة الكون بمنظور الاستخلاف.

ومما يدل على أن مصطلح "التعليم الديني" لم يكن معروفاً بمعزل عن العلوم الأخرى في النظام التربوي الإسلامي على مر التاريخ، شهرة كثير من كبار العلماء بالنبوغ والرسوخ تأليفاً وتدريساً في علوم الطب والفقه والفلسفة والفلك والتفسير في آن واحد، كالمازري[3] وابن رشد وابن سينا والرازي والكندي وغيرهم من العلماء المشاركين.

والمطلع على نظام التدريس في المسجد الجامع بقرطبة الذي كان جامعة الدنيا بلا منازع في العصر الوسيط[4]، أو مناهج التدريس في جامعة القرويين، وجامع علي بن يوسفبن تاشفين المؤسس بمراكش سنة 514 هـ[5]، أو في مناهج جامع الأزهر بالقاهرة[6]، أو مناهج جامع الزيتونة بتونس[7]، يلحظ هذا الاندماج بين المعارف والعلوم في المناهج الدراسية، كما أن المطلع على تآليف مشاهير العلماء القرويين يجد التنوع والتكامل نفسه بين العلوم، وقد كانت هذه المؤلفات في الغالب الأعم من خلاصات مجالس التعليم[8].

وفي بداية القرن العشرين ومن خلال اطلاعنا على القوانين الناظمة لهذه الجامعات العريقة ظهر هذا المصطلح في ديباجة هذه القوانين، وانعكس عملياً في البرامج والمناهج التي فصل فيها عمليا بين تدريس علوم الشريعة (علوم القرآن، والحديث، والفقه، وأصول الفقه، واللغة العربية، وعلم العقائد وغيرها)، والعلوم المدنية المتعلقة بتدبير شؤون الحياة المادية (كالطب والاقتصاد والفلك والحساب والكيمياء وغيرها)[9]، كما أنشأت أنماط تعليم جديدة في شكل مدارس أجنبية فرنسية أو إنجليزية أو إسبانية استقطبت أبناء الأعيان واعتمدت أحدث أساليب التدريس، واشتملت برامجها على المواد ذات العلاقة بسوق الشغل، بل وحظي روادها بمنح تشجيعية، وإمكان الالتحاق بالخارج لإتمام الدراسة[10]، في مقابل ظهور تعليم وطني يركز على علوم الشريعة واللغة العربية ويحاول ما أمكن الرفع من مستوى الممانعة لدى المتعلمين دون أن يمتلك الإمكانات نفسها المادية والعلمية والتربوية والآفاق نفسها، وكان هذا النوع من التعليم في الغالب الأعم يحتضن من طرف الأهالي في غياب أي اعتماد من طرف الدولة المستعمرة أو المستعمرة (بالجر والفتح).

وهكذا ظهر في التداول الاصطلاحي التربوي ما سمي إلى يومنا هذا بالتعليم الديني وهو (نوع من التعليم يركز على التكوين المتين في اللغة العربية وعلوم الشريعة، وله مؤسساته وجهازه الإداري والتربوي، ومناهجه التربوية)، وقد بقي هذا النوع من التعليم بحكم توجس رواده من مكائد الاستعمار متحفظاً على أي خطوة خارجية (غير محسوبة العواقب) لتحديث برامجه ومناهجه وطرق تدريسه، وهذا النوع من التعليم معروف اليوم ومنتشر في شتى بقاع العالم بمسميات مختلفة كالتعليم الأصيل أو التعليم العتيق بالمغرب، أو التعليم الأهلي بدول الساحل والصحراء بإفريقية، أو المدارس العربية الإسلامية بدول آسية، أو التعليم الشرعي في بعض دول الخليج، ويمارس من الناحية التنظيمية في تعليم نظامي رسمي تشرف عليه الدولة وتعليم غير نظامي تسيره الجمعيات والمنظمات الأهلية ويموله المحسنون.

الصفحات