أنت هنا

قراءة كتاب أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

كتاب " أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

· إن أدب التربية لا بد أن تكون مفاهيمه خاضعة لأوامر الشرع ونواهيه، وليست مزاجاً أو أهواء تمليها العادات والتقاليد الفاسدة.

· إن التربية ينبغي أن تقوم على مبدأ الاعتدال وعدم الشطط أو الإفراط والتفريط كما أراد الله لهذه الأمة أن تكون أمة وسطاً)[20].

وهكذا يخرج الكاتب من الإطار التاريخي الاستقرائي إلى إطار التنزيل المعاصر للنظرية التربوية الإسلامية المستندة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهادات علماء الأمة في التربية والتعليم.

وإذا كانت هذه الكتابات ونظيراتها من الأبحاث والدراسات التي تتناول هذا الموضوع قد سلطت الضوء على بعض معالم النظرية التربوية الإسلامية، ووضعت معالم في طرق التعليم انطلاقاً من سير العلماء الذين اشتغلوا بالتدريس، فإن ذلك لم يخرج في الغالب الأعم عن رصد معالم فلسفة التربية في القرآن والسنة النبوية، وإطار الآداب والأخلاق العامة التي ينبغي أن تسود علاقة العالم بالمتعلم ومكان العلم والرحلة في طلب العلم، وكل ذلك جزء من النظرية التربوية في تدريس علوم الشريعة، كما سادت في عصر الأسلاف.

وإذا ما انتقلنا إلى البحث في طرق التدريس والبحث في علوم الشريعة في الجامعات، فإننا لا نخرج عن ذات الانطباع، فقد أصدر الباحث الدكتور فريد الأنصاري رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس بالمغرب سنة 1997 كتاباً بعنوان: (أبجديات البحث في العلوم الشرعية)[21]، وهو كما ذكر مؤلفه محاولة في التأصيل المنهجي في الضوابط والمناهج والتقنيات ورسم لآفاق البحث في هذا الموضوع، وقد خصص فيه مباحث المناهج العلمية في علوم الشريعة مع تفصيل الكلام في طرق ووسائل كل منهج، وهكذا تحدث عن المنهج الوصفي وما يندرج تحته من طرق ووسائل وتقنيات كالعرض والبحث المرجعي والتقرير العلمي الببليوغرافي والتكشيف والفهرسة، كما تحدث عن المنهج التوثيقي بطرقه المختلفة كالجمع والتحقيق والتاريخ، والمنهج الحواري وطرقه كالمقارنة والجدل والمناظرة، والمنهج التحليلي وطرقه المتمثلة في التفسير والنقد والاستنباط وغيرها، مبرزاً منهج توظيف هذه المناهج في التكوين والبحث في تدريس علوم الشريعة، ولا يخفى على مدرس هذه العلوم ما لهذه المناهج والطرق من أهمية في بناء المعرفة الشرعية بالإضافة إلى ترسيخها كمهارات وقدرات لدى المتعلم، تمكنه من تطوير معارفه وتجديدها والتفاعل مع الثقافات الأخرى في ضوئها وعلى منهاجها.

وقد وقفت في السياق نفسه على البحوث القيمة التي قدمت إلى مؤتمر (علوم الشريعة في الجامعات الواقع والطموح) الذي اشترك في تنظيمه خمس مراكز ومؤسسات بحث أردنية متخصصة هي جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، والجامعة الأردنية، وجامعة اليرموك وجامعة مؤتة، وتعتبر أشغال هذا المؤتمر انطلاقة متميزة للبحث في مناهج وطرق تدريس العلوم الشرعية، إذ طرحت البحوث المقدمة للمؤتمر الأسئلة الحقيقية التي تشغل بال المدرسين والباحثين في هذا المجال من الزوايا الثلاث: العلمية والمنهجية والتقنية، وأشير بالخصوص إلى البحث الذي قدمه الدكتور سري زيد الكيلاني من كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بعنوان: (طرق تدريس علوم الشريعة في التعليم الجامعي وضرورة تطويرها)، خصص فيه جزءاً للحديث عن قراءات في طرق التدريس وأساليبه ومهاراته وأنشطته في القرآن والسنة[22].

ولئن كان هذا المؤتمر يعود تاريخه إلى منتصف التسعينات فقد حضرت وأسهمت في أشغال الندوة العلمية المنعقدة بجامعة اليرموك والمنظمة بتعاون بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسسكو والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في موضوع (البحث التربوي وتطبيقاته في العلوم الإسلامية)، وقد صدرت أعماله الكاملة عن دار الرازي بالأردن سنة 2003، وتعد البحوث المقدمة إلى هذا المؤتمر رؤية متقدمة لإشكالات مناهج وطرق ووسائل تدريس علوم الشريعة في الجامعات ودور البحث التربوي المتخصص في بناء منهجية معاصرة للتدريس والبحث، من صياغة الأهداف إلى صياغة مفردات المنهاج الدراسي، إلى تحليل طرق التدريس ووسائله وأساليب التقويم[23].

وتبقى هذه البحوث والدراسات على أهميتها وجدتها قليلة ونادرة بالمقارنة مع ما ينبغي أن ينجز من دراسات وبحوث نظرية وميدانية في بناء مناهج وطرق تدريس المعرفة الإسلامية بعامة وعلوم الشريعة منه على وجه الخصوص.

وسيبقى سؤال النظرية التربوية قي تدريس علوم الشريعة بمفهومها الكلي المعاصر قائماً، وسيبقى في ذهن الباحثين كذلك ما لم تتراكم جهود علمية مماثلة لتسليط الضوء على زوايا أخرى لا زالت غامضة في تراثنا التربوي الإسلامي فلسفة ومنهاجاً، وما لم نقرأ تراثنا التربوي والتعليمي في سياق حضاري تفاعلي متجدد مع التجارب الأخرى، وما لم نطور مناهجنا التعليمية بشكل يضمن تجديد العدة التربوية لتدريس علوم الشريعة، تستنطق تراثنا التربوي الزاخر، وتستثمر أحدث نظريات التعلم المعاصرة، مع الحفاظ على خصوصيات وآداب وقيم مجالس العلم.

إن أسئلة جوهرية ملحة تنتظر الإجابة قد تسعف بعض الدراسات والأبحاث في تاريخ التربية والتعليم عند المسلمين في تسهيل مأمورية البحث عن أجوبتها ولكنها لا تقدم الجواب الكامل، لأن التاريخ للعبرة، لكن تجاربه ولا يمكن أن تجيب عن أسئلة أهل الفترة، وأهم هذه الأسئلة:

· كيف ننقل علوم الشريعة من مجال الاستنباط الفقهي إلى مجال المعرفة والحضارة في مناهجنا التعليمية؟

· كيف نحول علوم الشريعة من مادة علمية إلى مادة تعليمية تعمل على بناء المفاهيم بالتدريج لدى المتعلمين؟

· كيف يمكننا أن نلائم بين الضوابط العلمية لدراسة علوم الشريعة حسب تخصصاتها وفنونها والحاجات التربوية للتعليم المدرسي المعاصر؟

· كيف نتعامل مع علوم الشريعة في وضعيات تعليمية تعلمية مختلفة: كالاستدلال والتحليل والاستنباط والدعم والتعزيز وغيرها من وضعيات التعلم، علماً بأن لكل وضعية أدبياتها التربوية؟

· كيف نستثمر تكنولوجيا الإعلام والتواصل في تدريس علوم الشريعة؟

· كيف نستفيد من أساليب التقويم المعاصرة في قياس مستويات التكوين المختلفة لدى الطلاب على مستوى المعرفة والمهارات والقيم؟

إن هذه الأسئلة الكبرى تنتظم في مساقات سنحاول أن نرصد فيها الواقع ونشير إلى بعض إشكالاته ومحاذيره، ونقدم بعض الإجابات ونثير بعض التساؤلات الأخرى ليستمر البحث.

1) التصور التربوي (المعرفي والمنهجي).

2) الجانب التطبيقي في بناء المناهج التعليمية لمواد علوم الشريعة من تحديد الأهداف إلى التقويم.

2/ في التصور التربوي: (المعرفي والمنهجي)

حينما نتحدث عن المنهاج فإننا نقصد بذلك البناء العام للنظام التعليمي بدءاً بالمرجعيات والتصورات الفلسفية، وتحديد المقاصد والأهداف ثم بناء المحتوى التعليمي، ثم طرق ووسائل التدريس وختاماً بأساليب التقويم، يضاف إلى ذلك كل ما يتعلق بالأنشطة التعليمية الموازية الموجهة، ومعلوم أن لكل هذه القضايا أدبيات تربوية ناظمة تتطور باستمرار بتطور البحث في علوم التربية، فهل استفادت مناهج علوم الشريعة من نتائج البحث التربوي المعاصر في بناء تصور تربوي معرفي ومنهجي على المستوى النظري، وكذا بناء مناهج تعليمية متجددة على المستوى التطبيقي العملي؟ ونبدأ عملياً بالمستوى النظري.

أ - الجهاز المفاهيمي وتجديد خطاب التواصل:

لم يتعبدنا الخالق سبحانه بالأساليب ولا بالوسائل ولكنه تعبدنا بالغايات والمقاصد، لأن الوسائل والأساليب تتغير بتغير زمان ومكان ومحل الخطاب) قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُو الأَلْبابِ} [البقرة: 2/269] ومن الحكمة امتلاك القدرة على التواصل باللفظ المناسب والوسيلة المناسبة في اللحظة المناسبة، وقد قال رسول الله r: ((خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله))، وقد كان رسول الله r يرسل رسله إلى الأقوام ويزودهم بنصائح غالية في أساليب الخطاب؛ بدأ بتنبيههم إلى الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للمخاطبين، ووجوب التدرج في الخطاب، ومن ذلك قول رسول الله r لمعاذ بن جبل: ((إنك مقدم على قوم من أهل الكتاب…)) الحديث.

وإذا كان هذا حال التوجيهات النبوية فإن من مظاهر أزمة الخطاب التعليمي الديني المعاصر إغراقه في اللغة الفقهية والأصولية بجهازها المفاهيمي المتداول في القرن السادس والسابع الهجري، بل الأكثر من ذلك نجد أن الكتب التعليمية المعاصرة في علوم الشريعة لم تستطع التخلص من الأمثلة التي تداولها الفقهاء في عصرهم وكانت تناسب واقعهم الاقتصادي والاجتماعي، بل ولم تستطع إبداع أمثلة جديدة مرتبطة بواقع المتعلم، فما زلنا نجد حديثاً عن استئجار الدابة ونحوها في باب الإجارة في فقه البيوع، والاستجمار بالعظم ونحوه في باب الطهارة، وأن ركوب الأتان من خوارم المروءة في علم الجرح والتعديل، علماً بأن خوارم المروءة تتطور وتتغير بتغير العصور، وعجز المعاصرون عن إيجاد مثال في القياس غير قياس المخدرات على الخمر في باب أدلة الأحكام من علم أصول الفقه، ولا زال التلاميذ يدرسون في موانع الإرث عدم الاستهلال كعلامة على ولادة الجنين ميتاً، رغم تطور أساليب التشخيص التكنولوجية التي تكشف نبضات القلب وترسم ذبذبات لاشتغال الدماغ، وهكذا انحبس الكتاب التعليمي لعلوم الشريعة في التاريخ على مستوى أساليب الخطاب، نتيجة خلل في التصور التربوي يعتمد مقولة ليس في الإمكان أبدع مما كان، ويعتبر خطاب الأقدمين النموذج الأمثل للخطاب الإسلامي الأصيل، مما حال دون التواصل الكافي مع المتعلمين، ولا زلت أذكر أننا كنا ندرس رسالة ابن أبي زيد القيرواني كمادة علمية في التعليم الثانوي دون أن يبذل المدرس أدنى جهد في تحويل مادة الكتاب إلى مادة تعليمية تناسب عقولنا وتجيب عن أسئلتنا، كما لا زلت أذكر أننا كنا نحفظ تعاريف ابن عرفة في كتابه " الحدود" بتقعيداتها وتعقيداتها الدالة على براعة الرجل في صياغة الحدود متمترساً بمحددات عصره، ومتحرزاً مما يخرق القاعدة من قواعد السلوك الاجتماعي والاقتصادي للناس في زمانه، فكان فقه النوازل خير مرآة عاكسة للحياة الاجتماعية والاقتصادية في وقتها، مما يدل أن علماء الوقت استوعبوا قضايا واقعهم بامتياز وأعملوا قواعد الفقه ومقاصده لإبداع خطاب مناسب وواقع الحال، في حين عجز المعاصرون أن يأتوا بمثلهم فيسوغوا لواقعهم خطاباً جديداً لواقع جديد، مع اتفاقهم على أن روح الفقه في القواعد والمقاصد، وأن الأمثلة والنماذج إنما تؤخذ من واقع حال المخاطبين؛ لأن الشريعة إنما وضعت للإفهام.

إن عصرنا يعرف طرح قضايا جديدة مرتبطة بحقوق الإنسان والبيئة والتواصل والإعلام، ويعرف تحولات على مستوى نظام الأسرة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، ويعرف احتكاكاً غير مسبوق بالثقافات الأخرى بحمولتها القيمية المفاهيمية، مما يطرح أسئلة كبرى على المتعلمين لم تكن متداولة بحدة من قبل كما هي عليه الآن، مما يتطلب إنتاجاً فقهياً متجدداً يستنطق مصادر الوحي لتكشف عن مخزونها الذي لا ينضب، ثم ينقل إلى المتعلم بلغة عصره حتى يستجيب لحاجياته، ويجيب عن أسئلته، وهذا المنحى ينتج جهازاً مفاهيمياً جديداً يجعل الفقه الإسلامي حياً؛ لأن الفقه في نهاية المطاف هو استنطاق جديد للشريعة؛ لتجيب عن الأسئلة الجديدة للإنسانية، وأي استهلاك للفقه القديم باجتهاداته ومصطلحاته دون حاجة هو قتل للشريعة نفسها، رغم اقتناعنا نظرياً بأنها صالحة لكل زمان ومكان إلا أننا لم نستطع تحويل الشعار إلى واقع رغم أن الشريعة نفسها تدعونا إلى ذلك، والمحصول الفقهي في نهاية المطاف دليل على قدرتنا على تفعيل الشريعة في الواقع أو دليل على عجزنا عن ذلك.

الصفحات