أنت هنا

قراءة كتاب أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي

كتاب " أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

ب- في منهجية التفكير وبناء المعرفة:

إن تشكيل المفاهيم وبناء التصورات يعتبر المدخل الرئيس لتشكيل العقل، وإن العقل المسلم اليوم أحوج ما يكون إلى الخيط المنهجي الناظم لعملية التفكير الإسلامي حتى يعيد قراءة التراث على بصيرة من الهدي القرآني النظري والنبوي التطبيقي، ولعمري إننا اليوم في عصر صراع المفاهيم لا نعاني في تراثنا الإسلامي من خَصَاص في المعرفة، ولكننا نعاني من ضمور كبير في أدوات بنائها، ولئن كان علماؤنا من المحدثين والفقهاء وعلماء أصول الفقه، قد اهتدوا إلى سبيل الرشد في الاجتهاد فوضعوا أسس النقد في علوم الحديث، وأسس التفكير والاجتهاد في علم أصول الفقه، وأنتجوا فقهاً متحركاً قائماً على النظر في الحاجيات والمآلات، وزادهم هدى ورعهم وتقواهم وتحريهم الحق حيث كان، فإن النظر قد انصرف بعدهم إلى المنتوج والمنتج (بالكسر)، ولم ينصرف بالشكل المطلوب إلى أدوات الإنتاج، وهكذا نجد في علوم القرآن ميلاً إلى نقل أقوال المفسرين أكثر من الميل إلى البحث في أصول التفسير ومناهجه، ونجد في علوم الحديث الشريف ميلاً إلى الرواية والنقل أكثر من الفقه ومناهج الفقه، ونجد في السيرة ميلاً إلى التاريخ أكثر من التفكر في العبر والخلاصات والقيم، بل إن علم أصول الفقه المبني أساساً على التفكير المنهجي اختلط في كثير من الكتابات بفروع الفقه وتاريخ التشريع فالتبس الأصل بالفرع.

وإذا ما تأملنا في طرق بناء المعرفة في التفكير العالمي المعاصر الذي نحن جزء منه، لوجدنا الاهتمام بمناهج المعرفة وأصول التفكير أكثر من الاهتمام بالفكر والمعرفة، ولذلك تصدرت الكتابات التربوية المهتمة ببناء المفاهيم وتعلم طرق التفكير المبدع، قائمة المبيعات في سائر العلوم، وأصبح الناس يتجاوزون السؤال عن المعلومة إلى السؤال عن كيفية الوصول إليها، وتفكيك بنيتها الداخلية، وانطلاقاً من ذلك فإن التدافع (بالمفهوم القرآني) المعرفي في عالمنا لن تحسم نتائجه إلا لصالح القادرين على النفاذ إلى مركز التفكير عوض استهلاك الفكر، وتلك تحديات لسنا مخيرين بحال في خوض غمارها، فإما نفعل أو ننسحب من الفعل الحضاري العالمي لنبقى على هامشه.

وانطلاقاً من ذلك أضحت الحاجة ماسة إلى تجديد المعرفة الإسلامية، ولن يكون ذلك إلا بتجديد مناهج التفكير فيها، والمدخل الطبيعي لكل ذلك لن يكون إلا عبر العملية التعليمية التي تتيح للناشئ فرصة التكوين الجديد، وتتيح للمعلم فرصة إعادة النظر في أشكال وأساليب بناء المعرفة الإسلامية قبل الاهتمام بتلقينها في شكل معارف جاهزة؛ لأن الغاية الكبرى من التعليم هي تطوير القدرات والمهارات التي تمكن المتعلم مستقبلاً من بناء ذاتي متجدد للمعرفة، وقدراً كبيراً من الذكاء في الدفاع عنها وإقناع غيره بها، وقد راكمت المدرسة الإسلامية على مر تاريخها و بمختلف علومها العقلية والنقلية تجارب رائدة في التربية على التفكير تحتاج إلى إبراز واستجلاء، غايتها تكوين العالم القادر على التمييز والتصنيف والتحليل والتركيب والتعليق والمقارنة والترجيح وغير ذلك من المهارات المعرفية، إلا أن مناهج علوم الشريعة في تعليمنا المعاصر حضرت فيها المعرفة، وغابت فيها القدرة على بناء المعرفة، وحضر فيها التلقين والنقل عوض البناء المعرفي التفاعلي الذي يسهم فيه العالم والمتعلم مما حرم المتعلم من منهجية في التفكير تعينه على التكوين الذاتي المستمر، وسنبسط ذلك عند حديثنا عن تجليات الأزمة في طرق ووسائل تدريس علوم الشريعة في مؤسساتنا التعليمية بالعالم العربي والإسلامي.

ج- في العلاقة بين النص والتاريخ في الكتاب التعليمي:

يجد المتعلم نفسه وهو يتعامل مع محتوى كتاب تعليمي في مادة من مواد علوم الشريعة يتصفح كتاباً غير عادي بكل المقاييس، ولا يشبه باقي الكتب التعليمية الأخرى، ذلك أنه يضم بين دفتيه نصوصاً قرآنية وحديثية، وأقوالاً للفقهاء والعلماء وأحكاماً شرعية تتطلب الاستيعاب والتنفيذ ويضيق فيها هامش السؤال.

هذه الحمولة العلمية تتحول إلى حمولة نفسية لدى المتعلم تحد من قدرته على بناء جديد للمعرفة من خلال تفكيكها عن طريق أنشطة الفهم والتحليل، وإعادة تركيبها وتطبيق واستثمار نتائج ذلك في وضعيات جديدة. مما يحرم المتعلم من تنمية مهارات النقد والتحليل والتي تشكل لب العملية التعليمية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل الحد من هامش السؤال والنقد والتحليل هو من خصائص المعرفة الإسلامية؟ أم أنه من مظاهر أزمة التعامل مع هذه المعرفة حين يقع الخلط بين النص والتاريخ فيها فتدخل كل هذه الأجزاء في المقدس، ويبنى ذلك بشكل سلبي في ذهن التلميذ مما يولد على المدى البعيد أزمة في تعامله مع المعرفة الإسلامية باعتبارها معرفة فوقية لا مجال فيها للتجديد والإبداع؟

إن مناهج التفكير العقلي تجد أسسها النظرية ولا شك في مصادر الوحي، ويكفي أن نتصفح آي القرآن الكريم لنقف على قوة السؤال في أعقد القضايا، فقد سأل إبراهيم عليه السلام ربه قائلاً: أرني كيف تحيي الموتى، وسأل موسى ربه أن يتجلى له ظاهراً إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 7/143]، وحاور الحق سبحانه كل الطوائف والملل والنحل في القرآن الكريم، وكان صحابة رسول الله r يسألون عن كل القضايا التي تهم حياتهم بل ويراجعون النبيr في غير ما موقف، ويطلبون منه أن يميز في تعاليمه بين الوحي والاجتهاد البشري التدبيري، فلا يطبقون ما جاء به الوحي إلا بعد فهم عميق، وكانوا يقولون كنا نحفظ آي القرآن خمساً خمساً فلا نتجاوزهن حتى نعلمهن ونعمل بما فيهن، وكانوا يدلون بخبراتهم وتجاربهم في كل ما يتعلق بالتدبير الاجتهادي، وقد نزل رسول الله r في ذلك غير ما مرة عند آرائهم وغيَّر رأيه، وكان فقهاء المسلمين يفرقون بين النص والاجتهاد فكانوا يقولون: (كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر) في إشارة إلى قبر رسول الله r، وأثرت عنهم أقوال من قبيل: (ما وافق كتاب الله وسنة رسوله فهو مذهبي وما خالفهما فاضربوا به عرض الحائط)، و (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).

إلا أن استحضار هذا النفس المنهجي في بناء محتويات الكتب التعليمية في علوم الشريعة يبدو ضعيفاً إلى حد يشعر معه المعلم بإضفاء طابع القدسية عليه بعامِّه، فلا فرق بين نص من الوحي يفتح أمام القارئ هامشاً واسعاً للسؤال عن الفهم والتنزيل على الوقائع، ونص من التاريخ يعكس اجتهادات السابقين في التعامل مع النص باستحضار عاملي الخطأ والصواب.

إننا نعتبر أن المعرفة الإسلامية بنيت بالسؤال وانفتحت على سائر الأسئلة وهي مجال لتنمية المهارات المختلفة تماماً كما تبني المعرفة وترسخ القيم في تكامل ثلاثي يشكل أضلاع مثلث المنظومة التربوية، ولكن مؤلفي الكتب التعليمية في العلوم الشرعية وكذا المدرسين اهتموا بالمعرفة ولم يهتموا بطرق بنائها، ويرجع ذلك في نظرنا إلى الانفصال في تكوين المشتغلين بعلوم الشريعة بين مجال التخصص المعرفي ومجال التخصص التربوي، وخاصة في بناء المناهج وتأليف الكتب المدرسية وطرق ووسائل التدريس. بل تعود بعض آثاره إلى نمط التكوين الذي مر به هؤلاء، والذي بُني على البعد المعرفي في غياب البعد المنهجي داخل المعرفة الإسلامية نفسها. مما يتطلب إعادة النظر في مناهج تكوين مدرسي علوم الشريعة. وجهداً كبيراً في تكوين مؤلفي الكتب التعليمية، وتنمية متجددة لكفاءات أطر التدريس في كيفية التعامل مع هذه الكتب داخل الفصل من خلال إبداع وتنفيذ الأنشطة المختلفة التي تنمي المهارات إلى جانب بناء المعرفة وترسيخ القيم.

3/ في بناء وتنفيذ المنهاج التربوي على المستوى التطبيقي

إذا كانت علوم الشريعة منذ نشأتها قد أسهمت في إذكاء الحس المنهجي لدى المشتغلين بها من المعلمين والمتعلمين في عصور الازدهار العلمي والمعرفي للأمة الإسلامية، فما هي الإشكالات التطبيقية التي أصبحت تحد من دورها في تشكيل العقل المسلم في العصر الحاضر سواء في بناء مناهجها التعليمية أو طرق ووسائل تدريسها أو أساليب تقويمها، وما هي آثار ذلك في بناء المعرفة الإسلامية في واقعنا المعاصر، وكيف يمكن أن تسهم علوم الشريعة من خلال نصوصها المنقولة، ومناهجها المعقولة، والتجربة المتراكمة في طرق تدريسها وحملها وروايتها ونقلها، في إعادة تشكيل العقل المسلم فيصبح مجتهداً مبدعاً.

ذلك ما سنحاول الإجابة عنه بنظرة تحليلية مقارنة بين القديم والحديث في المدرسة الإسلامية من جهة، ونظريات التعلم المعاصرة التي تشكل تجارب إنسانية لا تخلو من فائدة من جهة أخرى، لنصل في نهاية المطاف إلى استنتاج خلاصات واقتراح حلول عملية لتطوير مناهج تدريس علوم الشريعة حتى تسهم في بناء المعرفة الإسلامية السليمة وتتجاوز مظاهر الخلل التي اعتورتها مذ ضمر التفكير الاجتهادي المجدد.

أ/ في تشخيص وضعية بناء المناهج التعليمية:

عرف عن علمائنا في مجالس العلم اشتغالهم بسرد مروياتهم من حفظهم عن شيوخهم بالسند المتصل، أو سرد كتاب من الكتب المعتمدة في الفن المدروس كالصحاح والسنن وغيرها من مصنفات الحديث وأمهات كتب التفسير والفقه وأصوله، والتعليق على ذلك بما فتح الله عليهم من بيان اللغة والمعاني، وبسط الكلام عن أسباب النزول وأسباب الورود وبيان الناسخ من المنسوخ والحديث عن المشكل والمختلف، والاستنباط الفقهي، وحكاية الخلاف ومظانه، والترجيح وطرقه، وغير ذلك من ضروب العلم الشرعي، يستوي في ذلك الصبي المميز والكهل والشيخ والحاضر والمسافر الحال بالبلد، لأن أغلب مجالس العلم كانت تعقد في المساجد وبعيد الصلوات.

وعرف عن بعضهم عقد مجالس العلم للخاصة من المريدين وطلبة العلم الملازمين الذين يصرحون بدءاً بغايتهم من الدراسة على الشيخ كرواية أحاديث بعينها لا توجد عند غيره، أو اجتهادات في دراية الحديث، أو مذهبه في التفسير والفقه ينفرد بها عن غيره، أو مدارسة كتاب في فن بعينه رواية ودراية أو ما إلى ذلك من ضروب المعرفة الشرعية.

والمطلع على مدونات طلب العلم وآداب العالم والمتعلم، لا يكاد يجد تصنيفاً منهجياً للمادة العلمية بشكل يراعي القدرات النفسية والعقلية والجسمية للمتعلمين، ولا يكاد يعثر على تصنيف لهؤلاء في مجالس العلم بحسب تلكم القدرات، كما لا يكاد يعثر على منهاج تعليمي للمادة الدراسية يراعي حاجة المتعلمين حسب فئاتهم العمرية.

الصفحات