أنت هنا

قراءة كتاب القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان

القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان

كتاب " القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 10

ج) الحقوق الاجتماعية للأسرة والمجتمع

فهي مقررة صراحة في القرآن والسنة النبوية، بدءاً بالزواج وإنجاب الذرية والعلاقة الأسرية المعبر عنها بأولي أو ذوي الأرحام، وانتهاء بفعالية كل إنسان في نشاطه الإنساني المشروع.

أما الزواج: فمرغوب فيه شرعاً بضوابط وقيم أخلاقية تكفل سلامة الأعراض وطهر الأنساب وتكافل الأسرة فيما بينها من أبوين وزوجة وأولاد، لقول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 24/32] . والأيامى: كل من لا زوج له من الذكور والإناث.

وأمر الإسلام بحسن المعاشرة بين الزوجين في قول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 4/19] ، وانفرد الإسلام من بين الشرائع والنظم بإيجاب المهر على الزوج، والإنفاق على الزوجة، والنفقةُ تشمل الطعام والشراب، والكساء، والسكنى، فقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 65/7] ، وقال عز وجل: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 65/6] .

وفي تقرير الحقوق المشتركة بين الزوجين قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 2/228] ، وذلك في حدود تسيير المصلحة المشتركة بقيادة الرجل أو حق القِوَامة، لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 4/34] .

وأقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الزواج، وحرمة العائلة، وحق المرأة في الحياة والأمن والحرية، وحقوق الأمومة والطفولة[23].

وفي الحياة الاجتماعية: المواطنون متساوون أمام القانون، ولا تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الدين أو المذهب السياسي، وللشعب كله حق الاشتراك في الحياة العامة وفي تولي المناصب، وحق الأمن الاجتماعي، وحق التمتع بالجنسية والمواطنة، وحرية التنقل، واختيار المنزل فراراً من الاضطهاد، وذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو موافق لما قرره الفقه الإسلامي من كون «الوحدة الوطنية أساس المواطنة، وأن الوطن للجميع» لا لفئة خاصة.

وفي مبدأ (الشرعية)[24]: قرر الفقه الإسلامي ضرورة وجود الدولة وسلطتها التنفيذية والقضائية لحماية الحقوق من كل تسلط أو اعتداء. ووضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن الأصلَ في الإنسان براءةُ الذمة، ومنه حظر الاستبداد في إلقاء القبض والحبس والنفي، وحق التقاضي العلني النزيه، والتزام الشرعية في التجريم والعقاب، وهذا موافق للشريعة كما تقدم.

وفي العدالة الاجتماعية أكد الإعلان حقَّ العمل وحق الراحة، ومجانية التعليم، وإنماء الشخصية في التربية، والحق في مستوى العيش الكريم، وهذا مطابق لما نادى به الإسلام منذ العهد النبوي.

وفي الواجبات الاجتماعية: صرح الإعلان بضرورة التزام الفرد بأداء هذه الواجبات بهدف تطوير شخصيته، ومنه تقييد الحقوق إلا بما يفرضه القانون لتوفير حقوق الآخرين وحرياتهم، وتحقيق ما تقتضيه الديمقراطية والأخلاق والنظام العام، والامتناع عن كل ما ينافي أغراض الأمم المتحدة[25].

وصدر عن الأمم المتحدة ومثيلاتها إعلانات ومعاهدات دولية تفصيلية، منها ما يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كالاتفاقين الدوليين المهمين اللذين صادقت عليهما الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر سنة 1966م، وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في (53 مادة)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في (31 مادة)[26].

- حقوق المرأة في الإسلام والأنظمة الدولية المعاصرة

الواقع أن للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل، بغض النظر عن بعض الإشكالات المثارة بين الحين والآخر، وهي لا تتعلق في الحقيقة بمبدأ المساواة، وإنما ترتبط بحكمة التشريع وفلسفة الإسلام التي تراعي طبيعة المرأة، وضرورة رعايتها، وتمكينها من أداء رسالتها في الحياة، بحيث لا يضاف عليها عبء آخر بسبب انزلاقها في زحمة العمل، وتخفيفاً عليها وإعفاء لها من تحمل مسؤوليات جسيمة وخطيرة، علماً بأنها في مظلة الإسلام ذات قدر كبير واحترام عظيم، تحسدها عليه المرأة الغربية. وما قد يُظن من تمييز في الحكم الشرعي بين المرأة والرجل فمنشؤه اعتبارات أخرى حققت لها المجد، والتفوق، والسلامة، والأمن والسكينة، ويتبين هذا فيما يذكر هنا.

علماً بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م نظر كلاهما إلى قضية مساواة المرأة والرجل نظرة ظاهرية مادية، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى يتمسك بها السطحيون والمقلِّدون لمنطق الغرب وأتباعه.

ففي المادة (16) من الإعلان ما يلي: «للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج، وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج، وأثناء قيامه، وعند انحلاله».

وفي المادة السابعة عشرة: «كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه، دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان، وضد أي تحريض على تمييز كهذا».

ثم أعلنت منظمة الأمم المتحدة إعلانين متعلقين بحقوق المرأة، وهما:

الأول: اتفاقية حقوق النساء السياسية عام 1953م وفيها (11 مادة) تصرح بأن المرأة لها حق التساوي بالرجل دون أي تمييز، وذلك في ثلاثة حقوق أساسية؛ وهي حق الانتخاب، وأهليتها لانتخابها في عضوية الهيئات المؤسسة على الانتخاب، وحقها في تولي المناصب العامة وممارسة الوظائف العامة.

الثاني: إعلان إزالة التمييز ضد النساء الذي وافقت عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 7/ 11/ 1967م وفيه (11 مادة) أيضاً، تذكر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق، وإزالة كل تمييز بينهما.

فما موقف الإسلام من مبدأ المساواة بين المرأة والرجل؟

هذا الموقف واضح من خلال المبدأ النبوي: «إنما النساء شقائق الرجال»[27]. وفي ضوء هذا، المرأة كالرجل في تمام الأهلية والتكاليف الشرعية والدرجة في الجنان، وفي مطالبتها بالتعليم والتثقيف، لعموم حديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»[28]، وفي رواية: «ومسلمة»، ومع ذلك، كل الخطابات التشريعية يتساوى فيها الرجل والمرأة، لأنهما من جنس واحد.

لكن راعى الإسلام طبيعة المرأة وضعفها وظروف اندماجها في الحياة العملية الصاخبة، فلم يلزمها بالعمل، وإن أجازه لها ما دامت محتشمة قوية الشخصية والإرادة فلا يطمع بها الطامعون، ولا تتجاوز ظروف العمل، ولا تلين في الكلام، وأعفاها من المسؤولية الخطيرة في تحمل توابع القرارات العامة ذات الأهمية البالغة؛ وهي رئاسة الدولة، والفصل القضائي في القضاء الجنائي من جرائم القتل والفواحش، وطالبها الإسلام في أداء الشهادة في المعاملات المدنية بضم شهادة امرأة أخرى، لقلة الاطلاع والخبرة لديها: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 2/282] .

وأما الحوادث أو الجرائم الجنائية الخطيرة كالقتل وسفك الدم وبتر الأعضاء مثلاً، فالمرأة لا تطيق بطبيعتها النظر إليها لرقتها وعاطفتها وعدم قدرتها على رؤية أحداثها المريعة. وللمرأة حق المشاركة في الأمور السياسية انتخاباً وترشيحاً، بضوابط تصون كرامتها ومستقبلها، في رأي جماعة من المعاصرين، كالدكتور مصطفى السباعي، ولها حق منح الأمان للعدو كالرجل.

وهي سيدة البيت الأولى إن كانت زوجة، فتحفظ المال، وتعنى بتربية الأولاد، وتراقب سلوكهم، وتؤهلهم ليكونوا جيل المستقبل، وتطالَب بإحسان تحمل المسؤولية في ذلك الجانب القيادي ذي البعد الإنساني العظيم الأثر، فقال النبيr: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها»[29]. وهي ذات حقوق مساوية للرجل، بل قد تتفوق عليه، فالزوج مسؤول عن المهر والإنفاق عليها؛ زوجة أو أماً أو أختاً أو بنتاً. وإذا كان حظها في الميراث نصف الرجل فلأنها تدخر ما تأخذه كله، ولا تنفق منه شيئاً، على عكس الرجل المكلف بمتابعة النفقة حتى الكفاية من دون ادخار في الغالب، وهي في الواقع المشاهَد تحتاج إلى حماية الرجل والدفاع عنها ووقايتها من إلحاق الأذى والضرر بها في مناسبات معينة وبخاصة في الليل، بل تحتاج أيضاً إلى حماية المجتمع والدولة كما جاء في المادة (23) من الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، ونصها: «العائلة: هي الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها الحق بالتمتع بحماية المجتمع والدولة..».

وأما تعدد الزوجات: فهو بموافقة المرأة نفسها للضرورة أو الحاجة، أو مراعاة ظروف كثرة النساء في أعقاب الحروب، وأما جعل الطلاق بيد الرجل فلأنه أكثر انضباطاً وتقديراً للعواقب وخسارةِ نفقات الزواج، على عكس المرأة التي تغلب عليها عاطفتها، فتلجأ إلى الطلاق لأتفه الأسباب. ومع ذلك؛ فللمرأة حق المطالبة في المحاكم بفسخ الرابطة الزوجية عن طريق المخالعة (ببذل شيء من مالها)، بشرط التراضي بين الجانبين، بسبب عدم النفقة، أو غياب الرجل مدة أكثر من سنة عن المنزل، أو للحبس، أو لتفادي ضرر بها أو إيذاء لها، أو للشقاق والنزاع، أو لسوء العشرة، أو التفريق للعيب، أو بحكم الشرع والقانون كالتعسف في استعمال الحق.

وقد منح الإسلام المرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها، تتصرف بأموالها كيف تشاء، بعد أن كانت في الماضي قبل الإسلام محرومة من حق الإرث.

وأما المطالبة بتحرير المرأة في الأوساط الغربية والشرقية وإطلاق حريتها من دون ضوابط، والمتاجرة بها في الإعلانات والدعايات، وتكليفها بالعمل كالرجل، فذلك إساءة بالغة للمرأة، إذ تتحمل عبء العمل وعبء المنزل.

وللمرأة الحق المطلق والكريم في الأمومة والطفولة، ومراعاة ظروف العجز والشيخوخة.

وكل ذلك يتفق مع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد نصت المادة (25/2) على القول: «للأمومة والطفولة الحق في مساعدةٍ ورعاية خاصتين..»، وكذلك المادة العاشرة من الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966م ونصها: «وجوب منح الأمهات حماية خاصة خلال فترة معقولة قبل الولادة وبعدها، ففي خلال هذه الفترة يجب منح الأمهات العاملات إجازة مدفوعة، أو إجازة مقرونة بمنافع مناسبة من الضمان الاجتماعي».

وأصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة (إعلان حقوق الطفل سنة 1959م) مشتملاً على مقدمة وعشرة مبادئ، منها[30]: «التأكيد على حق الطفل في التمتع بهذه الحقوق على قدم المساواة دون تمييز لسبب يتعلق بشخصه أو أسرته أو عِرْقه».

واعتبرت الأمم المتحدة سنة 1979م سنة الطفل العالمية.

وتميز الإسلام عن الأنظمة الغربية ذات الطابع الفردي بتقوية نظام الأسرة والعلاقات الأسرية بما يعرف بحق القرابة وصلة الأرحام بالنفقة عند الحاجة، وبالرعاية والعناية بالرحم زيارة وتفقداً وعناية، وهو ما نص عليه الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان في المادة (7/3) التي تنص على ما يلي: «للأبوين حق على الأبناء، وللأقارب حق على ذويهم، وفقاً لأحكام الشريعة».

الصفحات