كتاب " الحكايات الشعبية في البلاد الشامية (الجزء الاول) " ، تأليف مصطفى الصوفي ، نقرأ من المقدمة :
أنت هنا
قراءة كتاب الحكايات الشعبية في البلاد الشامية (الجزء الاول)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أما أطفال " الحارة " فلم يعدّ بإمكانهم ممارسة ألعابهم الشعبية القديمة التي تحتاج إلى ساحة واسعة وبيئة طبيعية مناسبة، فحلّت محلهّا الألعاب الرياضية والملاعب والأندية. ومهما كنا متفائلين فالحقيقة أن عصر التراث الشعبي قد احتُضر وانتهى، ولم يعدّ يهتم به أحد سوى الدارسين والباحثين الذين يعملون على جمعه من ذاكرة الجيل القديم، أو ما بقي عالقاً منه في أذهانهم، ويقومون بتسجيله وتوثيقه وتحليله. وربع قرن آخر من الزمن كاف لأن يتلاشى نهائياً من الذاكرة، إمّا بالموت أو الخرف أو ضعف الذاكرة .
وكما توقف عصر العمل بالتراث الشعبي وممارسته، توقف أيضاً عصر ابتداع الفلكلور الشعبي، لأن الإبداع مرتبط بالخيال الشعبي الذي يستمد مادته من الأساطير والصور الغريبة والشخصيات الخرافية، والشعور بالعجز عن الفهم، وتحقيق الطموح والغايات الحياتية الصعبة، فالخيال الشعبي كبلّته القيود الهائلة من الإنجازات العلمية والحقائق الكونية والاكتشافات الطبيعية والأدوات التقنية المتطورة. فلم يعدّ الإنسان الحالي بحاجة للتفكير والحلم ببساط الريح والفانوس السحري وطاقية الإخفاء وغيرها، وهو يرى أمام عينه الطائرة والسيارة والتلفزيون، والمراكب الفضائية، والطب الحديث الذي كشف معظم الحقائق المستورة، وهتك ستر العتمة، وكشف عجز القوى الخرافية أمام الأسلحة المتطورة والقنابل الذرية. وبعد أن فضح كذبة حورية البحر وجمال ست الحسن وشاعرية القمر، فسحب من تحت الخيال الشعبي بساط التحليق والانفعالات والعواطف وسلاح الرومانسية والإثارة والرغبة والحب.
كتب ماسبيرو في كتابه ( أغاني شعبية مصرية ) يقول:( إن مصر تطورت بسرعة وأن كثيراً مما رآه في زيارته الأولى وما سمعه قد اختفى وانقرض أو في طريقه إلى الانقراض فلا بد من الإسراع في جمعها وتسجيلها ...). وهذه الدعوة تكتسب أهميتها القصوى من اعتبارات قومية أساسية يتحمل مسئوليتها مفكري ومثقفي الأمة لجمع وتسجيل الأدب الشعبي الشفاهي الذي مازال متداولاً بمستواه الأدنى والمحدود، من أجل الحفاظ على تراث الأمة وهويتها الأصيلة ...