كتاب " الحكايات الشعبية في البلاد الشامية (الجزء الاول) " ، تأليف مصطفى الصوفي ، نقرأ من المقدمة :
أنت هنا
قراءة كتاب الحكايات الشعبية في البلاد الشامية (الجزء الاول)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
منشأ الحكاية ( انتشارها وتطورها )
و يبدو أن الشرق كان منبعاً للحكايات الشعبية، بسحره وعراقته وشاعريته، كما تشير معظم الدراسات والأبحاث في مجال تاريخ نشوء الحكاية الشعبية، فوادي النيل منذ عهد الفراعنة القدماء غني بالأساطير والخرافات التي تعتبر أساساً لمعظم أفكار الحكايات الشعبية المتداولة، والتي انتشر بعضها في بلاد الرافدين والهند ثم أوروبا، فأسطورة ( أوزيريس وايزيس ) نجد عناصرها الأساسية في كثير من الحكايات الشعبية كالبطل المتعلقة روحه بسيفه، أو خاتمه، أو شعره، أو القطة التي تلد فتاة فيتزوجها الأمير أو الإوزة والدجاجة " والزاغة " التي تتحول إلى امرأة يتزوجها ابن الملك " والزاغة " أنثى الغراب. ومنها قصص وحكايات ألف ليلة وليلة التي نجد لها أثراً وأصولاً في الأدب المصري القديم، كما في قصة على الزيبق التي أشار( نولدكيه) إلى أصولها في أسطورة مصرية قديمة( كنز رامبسينت)، وقصة القرد الكاتب في الحمال والثلاث بنات أشار( سبيجلبرج ) إلى أصول لها في قصة ( توت ) المصرية، وقصة البحار الغريق والثعلب، تشبه حكاية الكلبين المسحورين وقصة ( الأخوين ) المصرية التي تتحدث عن قلب ( باتا ) الذي تطير منه شظية، تدخل بطن زوجة الفرعون فتحمل ولداً يصبح فرعون مصر فيحكم أمه ويقتلها، تشبه إلى حد كبير حكاية الصياد والسمكة وقاتل التسعة والتسعين، وتفاح الجبل للحبل من الحكايات الشعبية المصرية والسورية.
وفي الأدب الجاهلي نجد بعضاً من أفكار الحكايات الشعبية منها قصة الشاعر تأبط شراً الذي يقتل سعلاية بضربة سيف واحدة فتقول له ( ثنّ ) فيجيبها ( رويداً إنني ثبت الجنان ) كالبطل في الحكاية الشعبية الذي يقتل بضربة واحدة فيقول ( تنيّ ) فيرد عليه ( أمي لم تعلمني التني ). والفكرة أن الضربة الثانية تعيد الحياة للغول مرّة ثانية. ونجد في الأدب الجاهلي حكايات كثيرة عن الغيلان التي يصارعها الإنسان، وتظهر له بأشكال مختلفة، فيتبعها وتضّلله عن الطريق، فيتيه في البراري أو الغابات. وهناك قصة ( عمرو بن يربوع ) الذي تزوج من الجنية وولدت له أولاداً ثم غفل عنها مرة عندما لمع البرق ولم يستر وجهها، فطارت إلى موطنها، وهناك قصص الخواتم أو الأساور التي تضيق على اليد عندما يقع صاحبها في ضيق فيخفّ لنجدته. وهناك الكثير الكثير من أصول الحكايات الشعبية في الأدب المصري وبلاد ما بين النهرين والأدب الجاهلي لا مجال لذكره الآن، فهو يحتاج إلى دراسة مقارنة موسعة.
وتتداخل الحكايات الشعبية بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، إما بالانتقال أو التأثر أو المصادفة في التشابه فليس غريباً أن تبتدع الذاكرة الشعبية حكايات متماثلة إلى حدّ ما في أكثر من بيئة متباعدة، فالنماذج البشرية متشابهة الانفعالات والعواطف، وتعيش ذات الأجواء الطبيعية والنفسية والمعاناة. لذلك نجد حكاية ليلى والذئب الفرنسية مشابهة لحكاية العنزة العنوزية، وأسطورة ( تانتال ) في الأودية التي يقابلها( أوليس ) في مملكة الموتى، فيذبح ( تانتال ) ابنه ويقدمه للآلهة، كما في حكاية الطير الأخضر تقوم زوجة الأب بذبح الابن وتقدمه طعاماً لأبيه....
هذه المقارنات البسيطة للحكايات الشعبية التراثية مع الأساطير القديمة، تعطينا فكرة عن تاريخ نشوء الحكاية الشعبية الذي يمتد آلاف السنين، دون أن نستطيع أن نحدد التاريخ تماماً كما قال ( ليمتان ): " نستطيع أن ندل على أصل الحكاية، لكن لا نستطيع أن نعين تاريخ هذا الأصل "، وإعادة أصول الحكايات إلى حوالي ألفي سنة يعني هذا أن حوالي خمسين رجلاً توارثها جيلاً بعد جيل، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يطرأ عليها من تغيير وتبديل وتطوير، نتيجة تغير وتطور الأوضاع الاقتصادية والثقافية والدينية والأخلاقية في حياة الإنسان، وهذه ضرورة لابد منها لتصبح أفكار وأحداث الحكاية أكثر ملائمة لأعراف المجتمع وقيمه وعقائده.