كتاب " الحب والحيرة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الحب والحيرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- كاد أن يصل الاستعلامات الداخلية، أحس بالطقس والمكان يتغيران في لحظة خاطفة كلمح برق أو رمشه عين، فإذا به يجد نفسه في الجادرية غرب العاصمة، في مكان يعرفه ولا ينكره، يحدده بما يقارب نصف كيلو من الأمتار غرب جامعة بغداد، رفع رأسه نحو السماء فرأى قطعاً من غيوم قزحية متفرقة لكنها لا تتحرك، نظر إلى الأفق وكأنّ السماء تنطبق على الأرض، أو تصبح سقفاً علياً فوقها، أخذ الضباب ينتشر في الفضاء لكنه لم يحجب الرؤية، أحس به مشبعاً بالغبار، لكنه لا يرى غباراً في الجو أو على الأرض.. الشمس مشرقة بل ساطعة لكن ليس فيها حرارة، ليس في الطقس ريح أو نسيم، لكن الجو منعش ولطيف، إلا أن المؤمن أحس بالضنك، وجد سيارة واقفة، وبابها مفتوح، ذات لون بيجي تحتزم بخط أخضر و تتسع لثمانية عشر راكباً، بينه وبينها خطوات.. صعد إليها من دون أن يدعوه أحد، وكأنه على موعد معها وهي تنتظره، وجد فيها بضعة أشخاص يجلسون خلف السائق الذي لم يكن موجوداً، جلس في المعقد الثاني من جهة الباب من دون أن يسلم على الجالسين، كتفه اليمنى ملاصقة للزجاج، عرف من بعض كلمات تفوّه بها الجالسون أنّ الشخص الجالس خلف السائق بمقعد أو مقعدين هو ابن السلطان المهيوب الجانب... أدرك أنّ المسرحية واقعة لا محال، وموضوعها جاد، ومصيرها مأساة، وحياة الأبطال فيها إما السعادة أو الشقاء، إما النصر أو الهزيمة، إما الحياة أو الموت.. أحجم قليلاً، وضع كفه اليسرى على خده، وفوض أمره لخالق الأشخاص والابطال.. كانت واجهة السيارة باتجاه مبنى الجامعة بزاوية منحرفة تسمح لصبيح المؤمن أن يراها، أطال النظر إليها، لأن لونها الأبيض المصقول يثير الانتباه، يقارب ارتفاعها عشرة طوابق، ترتفع عن سطح الأرض بما يقارب عشرين مدرجاً، كأنّ السيارة كانت بانتظار الانطلاق، تصور أن الرحلة ستطول، وما كان يدري أن بينه وبين المسرح رمية عصا، أطرق يتأمل وإذا به في لحظة خاطفة يهم بصعود مدرجات الجامعة، رأى أمامه وعلى جانبه الأيسر ناساً يصعدون من الرجال دون نساء، وبشكل مألوف لا يثير القلق أو الخوف، تصور المؤمن أنه ذاهب لتعقيب معاملة أو متابعة ترقية، الباب زجاجي ذو قطعتين عريضتين باتساع المدرجات، يقترب عرضها من ثلاثة أمتار، القطعة اليمنى ثابتة، لم يبق بينه وبين الباب إلا خطوة واحدة.. يقظ ذهن المؤمن، أحس بالباب وكأنه كتاب تقلب فيه الأوراق انفتاحاً وانغلاقاً لتتابع الداخلين، ولج فيه وإذا به يرى قاعة مستطيلة مفروشة بما يشبه سندساً أخضر، والجدران مطلية بلون سمائي فاتح يناغم الفراش الأخضر، يناهز عرضها سبعة أمتار ولم يتحقق المؤمن إلى أي مدى تنتهي استطالتها، ينطلق منها نسيم كأنه آتٍ من جهاز تبريد باتجاه الداخلين، ما إن يلامسهم حتى يصابوا بنعاس شديد يجذبهم إلى الداخل.. أحس المؤمن أن الداخلين قبله يحاولون الانفلات من جاذبية النعاس وكأنهم يحاولون الهروب من مصير مجهول.. حدث تدافع ليس فيه جلبة، أحس المؤمن بالنعاس، أمال برأسه نحو اليسار، كاد أن يصرع لولا أنه تراجع خطوة واحدة.. استطاع الإفلات، انحرف إلى اليمين مع الناجين الذين يركضون في ممر ضيق، قطعوا ما يقارب ثلاثة أمتار ثم انحرفوا إلى اليسار فقطعوا ما يقارب سبعة أمتار.. أنحرف صبيح المؤمن إلى اليمين برفقة أثنين أو ثلاثة من الهاربين، وقفوا بعد ثلاث خطوات عند باب مفتوح، وجدوا رجالاً يرتدون ملابس بيضاء ذوي بشرة سوداء، يجلسون على أسرة، وفي أيديهم أطباق وهم يأكلون، عرف من لون بشرتهم وأزيائهم ولهجتهم وطيب سجاياهم أنهم من أهل السودان.. عرضوا عليهم الطعام لكن المؤمن اعتذر، رجع خطوات إلى طريق الهاربين، وجدهم يتدافعون من دون أصوات أو جلبة، وقفوا في عتبة الباب، وجدوا غرفة مستطيلة يصطف قريباً من جدارها المواجه للباب خمسة أو أربعة شبان، ذوو وجوه مرعبة، حلقوا أنصاف شواربهم، بأيديهم عصي رفيعة وطويلة تتصل بها سياط يعترضون المنحدرين من قاعة النعاس، لاصطيادهم أو دعوتهم إلى الانخراط معهم، أو الانتماء إليهم بأساليب الترغيب والترهيب، لكنهم لا يقطعون الطريق.. علاقتهم بالداخلين علاقة كر وفر، يتقدمون نحوهم لاعتراضهم بسياطهم ثم يتراجعون قليلاً إلى أماكنهم، وكأن السياط شباك صيد.
ولج المؤمن في الباب، وإذا بالشاب المواجه له يعترضه مادّاً السوط نحوه، كاد السوط أن يقطع طريقه دون أن يلامسه، والشاب يصيح به «تعال، تعال، تعال» كاد المؤمن أن يصرع، لولا أنه اندفع إلى اليمين خطوة أو خطوتين، حتى أفلت من قبضة السياط، وانطلق هارباً متوجساً، وإذا بالقاعة تنفتح أمام الهاربين وكأنها ميدان سباق.. ارتفعت سحابة من غبار، حسب المؤمن أقدام الهاربين أمامهم لكثرتها وسرعتها كحوافر خيل، أنحرفوا يساراً حتى ولجوا في باب ضيق، سلكوا ممراً طويلاً يتسع عرضه لمترين، على يمينهم جدارٌ طويل، وعلى اليسار أبواب صغيرة متلاصقة، معظمها مغلق وبعضها مفتوح، حسبها صبيح المؤمن حمامات، لمح بطرف عينه اليسرى امرأة من باب مفتوح، يوحي مظهرها بالخلاعة، ترتدي ثوباً بُنياً منقطاً بسواد منهمكة بعمل دون أن تبالي بالداخلين، انتهى الممرُ الطويل بالمؤمن وشابين اثنين على باب مواجه للممر، وكأنه نهاية المطاف، دخلوا الباب إلى غرفة مستطيلة يتسع عرضها لثلاثة أمتار، علقت على جدارها الأيمن الملاصق مقصلة، في وسطها، وقريباً من الباب، يتربع قصاب على جذع عريض مقطوع من الشجر، يقطع عليه اللحم والعظام، القصاب بدين ومربوع بشرته سمراء مطحونة، يستمع القصاب إلى جهاز ينقل أخباراً، وقف صبيح المؤمن ينظر إلى القصاب دون أن يعي أو يستوعب ما يقوله الجهاز، سمع القصاب يقول نقلاً عن الجهاز:
إنّ شخصية بارزة في الحكم سقطت من الأفلاك.