كتاب " الحب والحيرة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الحب والحيرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لواعج حب
عبث الشوق بقلبي، ونسج العنكبوت أشباح الذكريات في عيني، وذابت نفسي بين حب غابر طارت وريقاته في مهب الريح، ثم حطت ثم ضاعت في شوارع الباب المعظم أو حي الحسين، كان الحب يتودد إلي، لكني لا أحسن معه سياسة التعرف والتصرف، وبين حاضر لا أملك من الأسباب ما يجعلني أتواصل معه، حب كريم من نوع راقٍ، من سجاياه الكريمة أنه لا يهجرني ولا ينقطع عني، مسالم لا يتشاجر، لكنه لا يعرف التملق أو التودد. جلست مع نفسي أحدّثها وأبحث عن أسباب التناقض معها، قلت بأسلوب الصبيان: كان يا مكان قبل أكثر من خمسين عاماً ،نشأت وإياك في قرية تجاور الوديان، ألقيت في رجلي الأصفاد، لا نبرحها مذ كنا صبياناً، لا نستطيع ركوب الحصان، ولا نجيد السباحة في نهر المصاص، سمعت الناس ينادونك عاشوراً، سألتها:
إن كان ذلك عن تأثير شؤم من تاسوعاء وعاشوراء، أجابت:
لا أدري، لكنك تستقبله مستبشراً مسروراً.
سألت نفسي عن الألعاب التي تلهو بها، هل كانت تسليها وتحقق رغبتها وتنمي مواهب التفكير العقلي وتؤهله للإبداع والابتكار، قالت:
أتذكر
كنت أتذكر أنكم تقطعون عيداناً من القصب تضعونها بين أرجلكم وتمسكون بطرف منها على أنها أحصنة تطاردون عليها، وبأيديكم ألواح من الخشب تلوحون بها على أنها سيوف تتبارزون بها تكرون وتفرون، تنتصرون أحياناً وأحياناً تنهزمون، وأعلى مراتب الإبداع لديكم أنكم تعقدون مجلساً عشائرياً يتربعه الشيخ أو المحفوظ تحيط به الحاشية والرجال المقاتلون، وكل ما تفعلون أنكم تدفعون امرأة دية لمقتول، تقفون حجراً بوجه زواج أخرى، تأمرون وتنهون أو تحثون على ارتكاب جريمة تطلقون عليها أخذاً للثأر.
تبسلون موضع الشوارب من أفواهكم، وتمسحون مواضع اللحى، على أنكم أبطال فرسان أو فرسان في الميدان، وفي الغالب أنكم ظالمون وقليلاً ما تنصفون، حتى اذا ما شبتم وكبرتم أصبحتم تحبون وتكرهون أكثر مما تفكرون، وإذا خسرتم في الحب تغنون وتبكون أكثر مما تبدعون، تحسبون أنكم مظلومون لكنكم في الحقيقة ظالمون قلت لها:
- أنت تسجعين، والسجع أسلوب النادمين والفاشلين قالت:
- وما أبرئ نفسي عن السوء إن كان في السجع سوء، لكنك تعاقبني وأصحاب السوء طلقاء، أما تتذكر ما حفظناه في الجامعة :
- غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنني سبابة المتندمِ
والجناة هم القرية وأصحاب الشوارب في القرية، والصافية عند السلطان في العاصمة: المال والسلاح.. بالأمس كان السلطان يمشي في الشارع ويأكل في الأسواق لا يعدو أن يكون واحداً من أفراد القبيلة، ومن المارقين على قيم الخير في بعض الأحيان، إذا كان للخير فيها بقايا، يتفرد عادة بقيم المبالاة والجرأة والإقدام، يكون لصاً ماهراً أو قاطع طرق أو جريئاً في السلب والنهب ولا يتورع أحياناً عن سفك الدماء، وأحياناً تضيق به السبل أو تجبره البطالة أو الفشل في الدراسة على الانخراط في حركة أو جمعية أو منظمة، وأحياناً يحالفه الحظ فيحصل على رتبة في الجيش، وفي جنح الظلام، وبالاشتراك مع هذا وذاك، وخلال سويعات الفجر، يجد نفسه زعيماً لدولة وقائداً عاماً للقوات، يجد نفسه عندئذ مثقلاً بأعباء القبيلة، يحكم بعقلية الشيخ، يحب ويكره بدافع العنصرية، ويبسط سلطانه بعصا السفاك، والسلامة لمن سلم عليه، وكل من خالفه أو اعترض عليه إنما هو قبيلة أو قبائل تحارب قبيلة الأم ويتنافس معها على المال والسلاح.