أنت هنا

قراءة كتاب رمادية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رمادية

رمادية

كتاب " رمادية " ، تأليف غادة صديق رسول ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

المشكلة أني وحدي أراها مشكلة

من يحسد الآخر؟ الطائر مقصوص الجناح أم ذاك الذي حمله جناحه وسط ريح عاتية في أيام كلها مطر وبرق؟ من منهما سيشعر بالأمان ومن بالرضا؟ بالأحرى من سيشعر ومن سيكون قد نسي كيف يكون الشعور؟

قريبتي امرأة طيبة لكن أيام النيات الحسنة التي كنا نلعب فيها وننام سوية على سطح الدار مرت، فأصبحت أزدري طريقة ارتدائها لثيابها وطريقة تفكيرها، بصراحة كل حياتها، وأصبحت تحسدني على رصيدي في البنك، عملي المرموق وأناقتي الدائمة. بالخلاصة كل الأشياء التي تعوم على السطح الهامشي. كل لقاء جديد كانت تتفرس فيّ جيداً، وكنت أهرب بعيني بعيداً إلى ما وراء الغمام، أؤنب نفسي أحياناً على هذه الفوقية، لكن الأمر خرج من يدي أخيراً مهما حاولت أن أعود طبيعية.

غمرتني بالقبل وسألتني عن عائلتي فرداً فرداً، على الرغم من أني عادةً لا أملك غير جملة (الحمد لله). كانت تريد أن تستمر بهوايتها المفضلة (الكلام)، وكنت أختنق. آلة مجهولة كانت تضخم صوتها في أذني مما يدفعني للجنون، دعتني لتناول الفطور معها، وكنت أعد العدة للهرب، لكنها أقسمت وجرتني إلى منزلها جراً.

سرت معها بخطوات مهزومة وأنا أسب في داخلي كل أقاربي وألعن المجتمع الغبي الذي يسرق منا نحن الممسوسين بالغربة لحظاتنا النادرة. كل لحظة تفلت بسرعة ولا نعود قادرين على الإمساك بها، لم أكن لأصغي إلى كل ما تقول، سأجن إن فعلتُ، ولربما تحولت إلى إنسان مدجن يبدو سعيداً ويُسمّى مواطناً مدنياً مثالياً (يا للعار)!

بالتأكيد، إنها تقضي كل وقتها تعمل في هذا المنزل، نظراتها تشي بفخرها بقطع الإثاث المبهرجة اللامعة والأرضية النظيفة على الرغم من فقر البناء. أحب الفقر حين يكون عارياً وشديد البساطة، محاولة بهرجته وإخفائه تفقده الأصالة، كنت أفتقد أرضية دارها القديمة وشكل هذه الدار المكونة من غرفتين وباحة مشمسة ومطبخ صغير جداً لا يتسع لأكثر من شخصين أو بالأحرى امرأتين، لأن النساء هن من يعملن مجاناً في المطابخ طوال حياتهن، جدران جديدة بنيت وأخرى غلفت بديكورات حديثة لتشوه المنظر العتيق للدار.

دخلت مطبخها لتعد لي فطوراً سريعاً، وعادت بسرعة مع (صينية) صفّت عليها أنواع عديدة من الجبن والمربيات وكأسان من الشاي ذي الرائحة المغرية، لكن ضجيج صوتها نغص عليّ:

ـ فلانة ذهبت إلى العمرة واشترت أساور ذهبية جميلة.

ـ علانة اشترت لابنها سيارة جديدة موديل العام هذا.

وأنا لم أجد غير ابتسامة بلهاء غير ملونة وقلب يجر أنفاسه بصعوبة، وذهن يصرخ: اهربي اهربي، وهكذا فعلت على الرغم من أني تمنيت لو عدت بسيطة وعادت هذه الإنسانة صديقتي لأحكي لها ماذا يخنقني، صوت ما انبثق بصمت في رأسي فور خروجي من منزلها وأنا أشكرها على وجبة الفطور:

ـ وماذا ستقولين يا رمادية؟

هل ستفهم أن هذه الحفر في الشارع تشبه ثقوباً في روحك؟ هل ستجدني مجنونة حين أخبرها أني أبحث عن الألوان والفرح، وعن كائن يشبهني على الرغم من أني لست واثقة من وجودي؟

الصفحات