تبدأ صلتي بهذا الموضوع من رغبتي في التعرّف إلى الأدب النسائيّ، وتتبّع اتجاهاته، ومن ثمّ الوقوف على دور المرأة العربيّة في عصور متعدّدة؛ فقد تضمّن تراثنا العربيّ صورة للمرأة رسمها الرجل فغدت أشبه بالأسطورة، وتضمّن التراث ذاته المرأة الواقع؛ لذلك رأيت أن أكتب
أنت هنا
قراءة كتاب الوالهة الحرّى؛ ليلى الأخيلية شاعرة العصر الأموي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الوالهة الحرّى؛ ليلى الأخيلية شاعرة العصر الأموي
الصفحة رقم: 7
ج - زواجهـا
لعلّ حُبّ توبة ليلى، وإنشاده الشعر فيها، قد تسبّبا في حرمانه من الزواج منها عندما خطبها إلى أبيها، كما هي عادة العذريين. فقد ذكر الأصفهانيّ برواية أبي عبيدة عن أنيس ابن عمرو العامريّ أنّه قال: «كان توبة بن الحميّر أحد بني الأسديّة، وهي عامرة بنت والبة بن الحارث. وكان يتعشّق ليلى بنت عبد الله بن الرحالة ويقول فيها الشعر، فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إيّاها وزوجها في بني الأدلع»(27). إنّ علّة رفض أبيها تزويجها له تأتي من عشقه لها وقوله الشعر فيها كما يبدو.
أمّا زوجها هذا فلا نعرف عنه شيئًا محدّدًا فهو من بني الأدلع أو الأذلع أو الأذلغ(28)، إذ ورد ضبط هذا الاسم بالأوجه الثلاثة في المصادر المختلفة، وقد يكون «الأذلغ» هو أصوبها؛ لأنّ الصاغانيّ (ت 650هـ) نقل عن ابن الكلبيّ «الأذلغ -بالذال والغين- هو عوف بن ربيعة بن عبادة» (29). وكتاب ابن الكلبيّ من أقدم كتب الأنساب، وقد فات ناجي حسن محقّق كتاب (جمهرة النسب) لابن الكلبيّ أن يضبط هذا الاسم بدقّة، فلم يرجع إلى مصادر أخرى، وذكره بالذال والعين دون تمحيص. ويورده ابن منظور (ت711هـ) صاحب اللسان، بالذال والغين نقلًا عن ابن برّيّ (30). وأخيرًا فإنّ هذا الاسم يرد في شعر النابغة الجعديّ بالذال والغين في ديوانه، ويرد هذا البيت في (تاج العروس) للمرتضى الزبيديّ (ت 1205هـ) بالضبط ذاته، فهذه كلّها مجتمعة تؤكّد أن يكون ضبطه (الأذلغ)، والأذلغي هذا يلتقي نسبه مع ليلى عند جدّها شدّاد أو معاوية - كما يورد ابن الكلبيّ- وبذلك يكون أقرب إليها نسبًا من توبة.
بقي أن نعرف أنّ هذا الزوج قد وصف بالغيرة والتضييق على ليلى؛ لأنّها بقيت تلتقي توبة وهي زوج له؛ «قال أبو عبيدة وحدّثني غير أُنيس أنّه كان يكثر زيارتها -يقصد توبة- فعاتبه أخوها وقومها فلم يُعتب، وشكوه إلى قومه فلم يقلع، فتظلّموا منه إلى السلطان فأهدر دمه إن أتاهم، وعلمت ليلى بذلك، وجاءها زوجها وكان غيورًا فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنّها، ولئن أنذرته بذلك ليقتلنّها....»(31).
وقد أورد الأصفهانيّ خبرًا ليبيّن فيه غيرة هذا الزوج على زوجه، ويلقي ضوءًا على طبيعة العلاقة القائمة بينهما، ورأينا أن نثبت هذا الخبر هنا على طوله لما نظنّ فيه من فائدة، يذكر الأصفهانيّ في الخبر المرويّ عن أبي زياد الكلابيّ أنه قال: «خرج رجل من بني كلاب، ثمّ من بني الصحمة، يبتغي إبلًا له حتّى أوحش وأرمل؛ ثمّ أمسى بأرض فنظر إلى بيت بوادٍ، فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف، فأبصر امرأة وصبيانًا يدورون بالخباء فلم يكلّمه أحد، فلمّا كان بعد هدأةٍ من الليل سمع جرجرة إبل رائحة، وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها فأناخها على البيت، ثمّ تقدّم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول: ما هذا السواد حذاءك؟ قالت: راكبٌ أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلّمه. فقال لها: كذبت، ما هو إلا بعض خُلاّنك، ونهض يضربها وهي تناشده، قال الرجل: فسمعته يقول: والله لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك، فلمّا عيل صبرها قال: يا صاحب البعير، يا رجل، وأخذ الصحميّ هراوته ثمّ أقبل يحضر حتّى أتاها وهو يضربها، فضربه ثلاث ضربات أو أربعًا ثمّ أدركته المرأة، فقالت: يا عبد الله، مالك ولنا، نحّ عنّا نفسك، فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته كلّها وقد ظنّ أنّه قتل الرجل وهو لا يدري من الحيُّ بعدُ، حتى أصبح في أخبية من النّاس، ورأى غنمًا فيها أمةٌ مولّدة، فسألها عن أشياء حتّى بلغ به الذكر، فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا، فضحكت وقالت: إنك لتسألني عن شيء وأنت به عالم.