أنت هنا

قراءة كتاب إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول

كتاب " إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول " ، تأليف نبال خماش ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

آلة الأكاذيب

Apparatus of lies

 

نَشر البيت الأبيض مطلع عام 2003وثيقة من 23 صفحة تحت عنوان آلة الأكاذيب ندَّدت الإدارة الامريكية من خلالها بما أسمته: استغلال النظام العراقي للإسلام ومعاناة مواطنيه، وتأجيج المآسي من حوله من أجل الإبقاء على نظام صدام حسين ورفع العقوبات المفروضة على العراق· وقالت الوثيقة إن بغداد تستخدم برنامجاً متطوراً جداً وضع وفقا لنظام دقيق وتنظيم حديث من أجل دعم النظام العراقي بفضل عملية خداع مميزة ورافق نشر هذه الوثيقة حملة تصريحات سياسية من مختلف مواقع القرار في الإدارة الامريكية لإثبات أن العراقيين يخدعون فرق التفتيش، ويكذبون على المجتمع الدولي بإنكارهم امتلاك أسلحة الدمار الشامل·

وفي سياق الحملات الخطابية والتصريحات الرسمية برز آنذاك خطاب حال الاتحاد للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أواخر شهر كانون الثاني 2 0 0 3كشاهد على مدى تغلغل الكذب وغياب المصداقية عن إدارة الرئيس بوش· ففي هذا الخطاب أعلن الرئيس الأميركي للعالم ولشعبه أنه أمهل الرئيس العراقي صدام حسينومنحه الكثير من الوقت لاعلان ما يمتلكه من أسلحة دمار: لكنه من الواضح الآن أنه لا يقوم بذلك وأضاف في خطابه مستنداً إلى معلومات استخبارية أكيدة بأن الحكومة البريطانية علمت أن صدام حسين يسعى مؤخراً للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من أفريقيا(1)، وهذه الفقرة تحديداً هي التي اصدر بشأنها مدير المخابرات الأمريكية، جورج تينت، بيانا تحمل بموجبه مسؤولية مزاعم حصول العراق على يورانيوم من أفريقيا، قائلاً: إن هذه الكلمات الـ 61 كان ينبغي ألا يتم تضمينها في نص الخطاب الذي أعد للرئيس(2)· وتلا هذا الخطاب التلفيقي تصريح على شاكلته أدلى به في نفس اليوم مساعد وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج، قال فيه إن الرئيس العراقي: لن ينـزع أسلحته طوعاً على الإطلاق، وأن الناس الذين يصدقون ذلك يمنحونه ثقة عمياء وينظرون إلى تمنياتهم على أنها واقع!

بيد أن إدارة الرئيس الأميركي، وفي غمرة حديثها عن الكذب وآلاته، نسيت نهج الكذب الذي اعتمد كسياسة رسمية لها، وهي التي ما فتئت خلال الأزمات التي مرت بها في اختراع الذرائع الموغلة في التلفيق وتزوير الحقائق والاستخفاف بعقول البشر· ومن الطبيعي في ظل سلسلة الأكاذيب التي حاكتها ولا زالت الإدارة الامريكية تحيكها منذ الحادي عشر من أيلول حول مبررات حربها على الإرهاب أولاً، ومن ثم على العراق، كذلك إقرارها الحرب الوقائية كاستراتيجية ثابتة لها، أن تذكرنا حلقات هذه السلسلة بسلوك الرؤساء السابقين للولايات المتحدة، هذه الشخصيات العالمية التي ما انفكت تروج لنفسها من خلال توجيه الموعظة والنصح للعالم بضرورة التمسك بالمثل السامية والقيم الرفيعة· جزء من هذه الحقائق عرضته المؤلفة سامنثا باور في كتابها مشكلة الجحيم والذي قالت فيه إنَّ أيا من رؤساء أميركا إلا ومارس الكذب بشكل منهجي ومنظم بخصوص ما كانوا يعرفونه ومتى عرفوه، مثل المذابح التي جرت للأرمن الأتراك، واليهود الألمان، والأكراد العراقيين، ومسلمي البوسنة، وغير ذلك من الشعوب والأجناس التي تعرضت لمذابح جماعية، ولم تقم الإدارات الامريكية بشيء إطلاقا للحيلولة دون وقوعها، أو كشف النقاب عنها للرأي العام، أو حتى الاعتراف بوقوعها· وأضافت أنّ كثيراً من الرؤساء الأميركـيين فـي القـرن العشـرين قـد تعهـدوا مـراراً وتكـراراً، بعدم الكذب ثانية، ثـم تناسـوا وعـودهم ولـم يلتزمـوا بهـا، وفـي كـل مـرة كان هؤلاء الرؤساء يجدون من الأسباب، والأعذار ما يبررون بها مواقفهم أو سبب لجوئهم إلى المراوغة والنفــاق(3)·

وزيادة على الحقائق التي ذكرتها الكاتبة الامريكية في مُؤلَفها، فإنّ كثيراً من الأحداث والوقائع السرية عن كيفية إدارة الحرب الامريكية في فيتنام خلال عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون وليندون جونسون قد تكشفت، وأنّ هذه الحقائق أظهرت لنا كيف كان الكذب سياسة رسمية ومعتمدة لخداع الشعب الأميركي والعالم بما يبرر تعمد إطالة أمد الحرب خدمة لمصالح شركات إنتاج الأسلحة في الولايات المتحدة·

والغريب أنه رغم الخسائر البشرية الفادحة التي لحقت بالقوات الامريكية في فيتنام، (أكثر من 0 0 0 ,85 قتيل و0 0 3 ,3 0 3 جريح)؛ إلا أن الشعب الأميركي وبسبب التبريرات الكاذبة للحرب لم يعرف ذرائع الحرب الحقيقية إلا بعد سنوات طويلة·

ونضيف كذلك إلى سجل أكاذيب رؤساء الولايات المتحدة كذب الرئيس نيكسون في فضيحة ووترغيت وهي الفضيحة التي جعلت من نيكسون أول رئيس أميركي يستقيل بسبب أكاذيبه وكذلك فضيحة إيران كونترا التي لم تتورع إدارة الرئيس كارتر في أسلوب معالجتها للأزمة عن تضليل الشعب الأميركي والكذب على الكونغرس، ونستذكر كذلك مبررات الرئيس ريغان لغزو غزيرة غرينادا بعد أيام من تفجير مبنى المارينـز في بيروت عام 2 8 9 1وسقوط 0 4 2 قتيلاً أمريكيا· ويذكرنا كذب الإدارة الامريكية الحالية كذلك بكذب والد الرئيس الأميركي، جورج بوش الأب وهو يعد الشعب الأميركي بعدم رفع ضرائب جديدة، يوم أن قال مقولته المشهورة read my lips: no new taxes لكنه طبق عكس ذلك· ويذكرنا كذلك بمأزق الرئيس السابق بل كلينتون وممارسته للكذب وهو تحت القسم المقدس في قضية مونيكا لوينسكي·

آلة الأكاذيب وثيقة أميركية رسمية ادعت وتبعا لتقارير مخابراتية: أميركية - بريطانية أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأن النظام العراقي على ارتباط بتنظيم القاعدة؛ وعلى هذا الأساس تجب محاربته وإسقاطه، وهذا ما تم فعلا في عملية الغزو التي أطلق عليها الحرية للعراق· ليستمر من ثم مسلسل الأكاذيب حتى بعد سقوط بغداد بأيدي الجنود الأميركيين· وليتواصل صدور بيانات وتصريحات تؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف للحلفاء قبل الأعداء أن واشنطن ولندن كانتا على صواب في قرار الحرب وتتويج هذا القرار بالاحتلال· بل إن الرئيس الأميركي ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين فاجأ المراقبين بعثور القوات الامريكية على الدليل القاطع لامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، عندما قال عبر محطة التلفزيون البولندية خلال زيارته لبولندا في شهر أيار 3 0 0 2: لقد عثرنا على أسلحة الدمار الشامل، لقد عثرنا على مختبرات بيولوجية، وسوف نعثر على المزيد من الأسلحة مع مرور الوقت، وأخاطب الذين قالوا إننا لم نعثر على أجهزة التصنيع أو الأسلحةالمحظورة،وأقول لهم إنهم مخطئون، لقد عثرنا عليها(4)·

هذا الإعلان وأشباهه من التحريفات الموائمة للسياسة الامريكية، لم تكن منسجمة مع واقع عمليات البحث المحموم التي بذلتها آنذاك الوحدات العسكرية الامريكية في طول العراق وعرضه طوال أسابيع متتالية بحثاً عن دليل يظهر ولو نية العراق لامتلاكه أسلحة دمار شامل· ولما فشلت هذه الوحدات في إيجاد ولو أشباه أدلة، وتحت ضغط الرأي العام الأميركي والبريطاني في معرفة الحقيقة ومدى صدقية الحكومتين في مبررات الحرب، بدأت أقنعة الكذب بالسقوط، ليعلن البيت الأبيض بداية أنه بالغ في تصوير مساعي العراق للحصول على اليورانيوم من أفريقيا لاستخدامه في برنامجه النووي، تلاه اعتراف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش خلال زيارته لجنوب أفريقيا (تموز 3 0 0 2) أنه بالغ في تصوير مساعي العراق للحصول على اليورانيوم، مناقضاً بذلك الفرضية الأساسية التي أعلنتها إدارته لتبرير تدخلها العسكري·

إن أميركا بفضل إدارتها اليمينية ورسم المحافظين الجدد معالم سياستها الخارجية والداخلية فقدت مصداقيتها أمام الرأي العالمي والمحلي وهذا ما زاد من عزلتها دوليا، من الناحية الأخلاقية على الأقل ، رغم أنها بلغت بفضل قوتها العسكرية ذروة السيادة على العالم· كل ذلك بسبب الركون إلى الكذب والخداع، حتى أن كاتب العامود، في صحيفة نيويورك تايمز كتب مقالاً وصف فيه الرئيس جورج دبليو بوش بأنه لا يكف عن الكذب، واعتبر أن هذا الكذب الرئاسي يتجه إلى تدمير شبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة، وأضاف أن رئيسا أمريكياً لم يكذب إلى درجة بوش الذي كذب في كل شيء بدءاً من قضية الضرائب وحتى قضية الحرب على العراق·(2) هذا الكذب كشف الكثير من خفاياه المسؤول السابق في مكافحة الارهاب في الولايات المتحدة ريتشارد كلارك، والذي أكد عبر أكثر من مناسبة وفي أكثر من لقاء أنه منذ 11 أيلول وادارة الرئيس بوش عقدت العزم على استخدام مأساة 11 أيلول من أجل غزو العراق واحتلاله·

ولحصر كل المخالفات التي حدثت داخل ادارة الرئيس بوش والتي تم استخدامها لاقناع امريكا والعالم بشرعية الحرب على العراق، قام فريق من الكونجرس الامريكي باعداد دراسة لهذه الغاية اشرف عليها السينارتور الديمقراطي هنري وكسمان، وكشفت هذه الدراسة مدى المخالفات التي ارتكبها المسؤولون الكبار في الادارة الامريكية بحق كل الاعراف والقواعد الاخلاقية والسياسية ، وكيف أن الرئيس الامريكي ومن حوله من المقربين: نائب الرئيس ديك تشيني، وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وزير الخارجية كولن باول ، ومستشارة الامن القومي كونداليز رايس، قد كذبوا 7 3 2 كذبة من أجل اقناع الرأي العام الاميركي والعالمي بضرورة الحرب على العراق· وأكدت الدراسة أن ما أسمته نادي الكذابين الخمسة قد استطاع الكذب بقدرة فائقة سواء بالنسبة لاسلحة الدمار الشامل العراقية أو علاقة تنظيم القاعدة مع صدام حسين أو التهديد المباشر الذي كان يمثله صدام حسين على العالم· ووجدت الدراسة أن الرئيس بوش وحده كذب 55 مرة أما نائبه ديك تشيني فقد كانعددمرات كذبه 15 كذبه، أما وزير الدفاع رامسفيلد فقد كذب 25 مرة، ووجدت الدراسة أن وزير الخارجية باول كذب 05 مرة، فيما كذبت رايس 92 مرة(5)·

يبدو أن الكذب بالنسبة للإدارات الامريكية المتعاقبة هو حرفة، وأن الكذب المنهجي والمراوغة والتزييف قيمة سوف يستمر الترويج لها والدعوة بتعميمها على حساب القيمة الإنسانية الخيرة· ويبدو كذلك أن الحقائق التي أظهرت أن أميركا وبريطانيا دخلتا الحرب على أساسه ليست سوى أقوال مضللة وأكاذيب استخباراتية، وسيكشف مقبل الأيام عن مزيد من الحقائق التي ستظهر مدى الفجوة التي تفصل بين هذه الإدارة ومبررات حربها على الإرهاب·

الصفحات