كتاب " إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول " ، تأليف نبال خماش ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
أنت هنا
قراءة كتاب إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول
الاستثناء الديمقراطي
Democratic Exception
مصطلح سياسي جديد، استخدمه لأول مرة مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الامريكية وأحد الخبراء الأمريكيين في الشرق الأوسط ريتشارد هاس الذي كان واحداً من أكثر اليهود الأمريكيين دعما لإسرائيل في إدارة بوش الأب ومن دعاة الحرب على العراق، وهو عضو في فريق مركز دراسات الأمن القومي التابع لوزارة الدفاع، وقد استخدم هذا المصطلح في المحاضرة التي ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركي (4/21/2 0 0 2) تحت عنوان ترويج الديمقراطية في العالم الإسلامي(15)·
جاءت المحاضرة في سياق ترويج الإدارة الامريكية مشروع شراكتها مع الشعوب العربية والإسلامية· وفي الكلمة التي ألقاها انتقد هاس سياسات واشنطن المتعاقبة تجاه العالمين العربي والإسلامي واصفاً إياها بأنها سياسةعرجاء وغير كاملة لاعتبارات أبرزها أن الحكومات المتعاقبة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، لم تجعل من الديمقراطية أولوية بشكل كاف في العديد من أجزاء الدول العربية أو الإسلامية، إضافة إلى أن هذه الحكومات الامريكية تجنبت النظر بعمق في المسائل الداخلية للبلدان تحت مبررات مثل: كبح التوسع السوفيتي أو الإيراني أو العراقي، إضافة بالطبع لضمان التدفق المتواصل من النفط لصالح الغرب الصناعي، وانشغال هذه الحكومات في التعامل مع حيثيات وتطورات الصراع العربي _ الإسرائيلي، بالإضافة إلى مقاومة الشيوعية في شرق آسيا· ونتيجة هذه الظروف، أخفقت أميركا في تعزيز سبل الديمقراطية تدريجيا في كثير من علاقاتنا المهمة عبر خلق ما يمكن وصفه بـالاستثناء الديمقراطي فرصة لمساعدة هذه الدول على أن تصبح أكثر استقرارا وازدهاراً وهدوءاً وأكثر قدرة على التكيف مع ضغوط عالم يتجه نحو العولمة
ويعدد هاس ثمانية دروس كان يفترض أن تكون قد تعلمتها الولايات المتحدة من تجربتها العالمية، أبرزها: أن هناك نماذج عدة للديمقراطية وليس نموذجاً أميركيا واحداً سيتم تصديره، وأنه لا بد من إجراء بحث حول تكييف الأنظمة السياسية لكي تتلاءم الديمقراطية مع بيئتها المحلية، فالديمقراطية لا يمكن تصنيعها ولا يمكن تشجيعها من الخارج بل لا بد من بنائها من الداخل· وأخذت تفاصيل هذه الوثيقة و التعليق على مضامينها صدى واسعاً في تصريحات عدد من المسؤولين في الإدارة الامريكية، كما وأخذ هذا المصطلح بعداً إعلامياً مهماً لاعتبارات من أهمها أنه صدر على لسان مسؤول أميركي يحتل موقعاً مهماً في تخطيط سياسة واشنطن الخارجية، خاصة وأنه أدلى به في سياق محاضرة ألقاها في مؤسسة تعتبر من المؤسسات الهامة في رسم وتوجيه السياسة الخارجية في الولايات المتحدة · وبالمناسبة فإن الإدارة الأمريكية تبنت رؤية هاس في شأن الصراع العربي - الإسرائيلي، والذي رأى أنه بعد تجربة إدارة كلينتون وفشل مباحثات كامب ديفيد الثانية، فإن الظروف ليست ناضجة لإبرام تسوية نهائية بين الأطراف في الشرق الأوسط، وأن أقصى ما تستطيع أن تقوم به واشنطن في هذه المرحلة هو إدارة الأزمة·
متغيرات لها دلالتها طرأت على نمط التفكير السياسي الأميركي تجاه الشعوب اعربية والإسلامية، وهي متغيرات يستوجب معها طرح السؤال التالي: في ظل مشروع الصداقة الأميركي الجديد مع الشعوب العربية، ما هي النتائج الناجمة عن مثل هذا المشروع، وهل سيكون هناك تعارض للعلاقة الإستراتيجية الأميركية مع الأنظمة العربية و الإسلامية؟؟ هذه الأنظمة هي التي كانت قد توحدت مع السيناريو الأميركي لمدة خمسين عاماً تقريباً أمّنت خلالها الحكومات العربية للولايات المتحدة الامريكية مصالح اقتصادية وسياسية لا حصر لها·
إن الحديث الأميركي المكثف عن دمقرطة شعوب العالم والانحياز لحقوق الإنسان وليس لصالح الحكومات، في جوهره حديث جديد واستراتيجية تتناقض مع السجل الرسمي للحكومات الامريكية التي ساندت ولفترات طويلة أعتـى الديكتاتوريات وأسوأ الحكام في العالم طوال القرن العشرين وتحديداً خلال الحرب الباردة، فتحت لافتة مقاومة الشيوعية قامت الإدارات الامريكية المتعاقبة بدعم رموز الاستبداد والطغيان في العالم، فهناك شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي الذي تخلت عنه الولايات المتحدة، ورفضت حتى استقباله في أرضها لسبب واحد وبسيط: أنه استنفذ أغراضه· و هناك الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي لاقى دعماً أميركياً كبيراً في سنوات حكمه الأولى وشكل هذا الدعم بالنسبة له غطاء مهما على كل تجاوزاته للقوانين الدولية والإنسانية· وهناك كذلك الحاكم الأوغندي المخلوع عيدي أمين· وفي أميركا الوسطى والجنوبية وهي القارة التي كانت تسمى الفناء الخلفي للولايات المتحدة، حيث تعددت نماذج الطغاة المدعومين من قبل واشنطن، مثل الجنرال الكوبي المخلوع باتيستا، وهناك أيضاً بينوشيه حاكم تشيلي المخلوع وكذلك الرئيس البنمي مانويل نورييجا·
هذا كله كان في الماضي، أما اليوم، وتحديداً منذ الحادي عشر من أيلول بدأت تحولات جديدة تظهر في الإستراتيجية الامريكية، ومن مؤشرات التحول الذي طرأ على التفكير الأميركي أن وكالة الاستخبارات المركزية الـC.I.A قدمت تقريراً احتوى على إجابات خطية عن أسئلة طرحها أعضاء الكونغرس حول الأسباب، والمبررات التي تجعل من شعوب العالم العربي والإسلامي شعوبا معادية لأميركا، لتجيء إجابة الاستخبارات المركزية في تقريرها واضحة ومباشرة ومفاجئة في نفس الوقت وهي أن شعوب هاتين المنطقتين من العالم يخضعون لضغوط كبيرة من قبل الأنظمة الحاكمة، ونتيجة هذه الضغوط تأخذ ما أسماه التقرير بـالمجموعات المحرومة Deprived Groups في الظهور والتنفيس عن كبتها من خلال الاقتصاص من أميركا باعتبارها المسؤول الأول والأخير عن هذه المعاناة· وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها علانية مؤسسة هامة في الحكومة الامريكية مثل الـC.I.A عن مجموعات محرومة في الشرق الأوسط، والتغيرات التي من الممكن أن تحدثه هذه المجموعات، في حين كان كل همّ هذا الجهاز وغيره في الماضي البحث عن سبل دعم وتعزيز حرية الأنظمة في مواجهة وقمع هؤلاء المحرومين·
الرأي السائد في العالم العربي أن الهدف الأساسي من الحملات الترويجية لإشاعة الديمقراطية في المنطقة ليس النهوض بالإنسان العربي ومساعدته في سبيل تحقيق أحلامه بالحرية و الديمقراطية، و إنما الضغط على الحكومات العربية بهذه النقطة لتصبح أكثر مرونة ومستعدة لتلبية كل ما يطلب منها، وإلا فسيتم استبدالها بأنظمة أكثر تبعية· كما وأن هذه المبادرة جاءت في سياق خضوع الحكومات العربية بالكامل للولايات المتحدة، حيث تسابقت هذه الحكومات في الإعلان ظاهريا عن مشاريع داخلية للتنمية السياسية ومكافحة الفساد وتعميم الديمقراطية وما هذه المشاريع في حقيقتها سوى شكل من أشكال الرياء السياسي للولايات المتحدة و الزيف الديمقراطي، وهي مشاريع ليس لها من الديمقراطية الحقيقية إلا القشور، ومع ذلك فيتم الترويج لهذه المشاريع محلياً و في مختلف العواصم العربية، على اعتبار أنها لب الديمقراطية، لتعيد هذه الأنظمة تجديد ذاتها بما يتفق مع المتطلبات الأمريكية·
وكل ما فعلته الادارة اليمينية في واشنطن تجاه هذه الحكومات الدكتاتورية هو انعاشها وضخها بالمزيد من الشعارات والعناوين السياسية الزائفة لتواصل الولايات المتحدة استنزاف المنطقة لمصالحها على وجه الخصوص باسم الحرية والديمقراطية·