كتاب " أمل في الظلام ( حكاية أم مع طفل التوحد) " ، تأليف خلود خوري رزق ،والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
أنت هنا
قراءة كتاب أمل في الظلام ( حكاية أم مع طفل التوحد)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أمل في الظلام ( حكاية أم مع طفل التوحد)
هُو الطبيب الفذّ صاحب القدرات الهائلة عجز عن تشخيص حالة وَسيم وما كان منه إلا بوصفها تأخر في النمو العقلي وأسهب قائلاً:
"مش ضروري يطلع دكتور متلي بكفي ينزل ع "مفراتس" (منطقة صناعية) للعمل وهذا يكفي.
بين ثقته الزائدة وخبرته الكاذبة عزمت على تغيير الطبيب ورفضت معاني الشفقة وجرح النفس..
كانت طفلتي، التي تكبره بسنتين، تتمتع بقدرات جسديّة وذِهنية فائقة وذكاءٍ غير محدود. أحسّت ولاحظت بوجود أزمة في العلاقة مع أخيها، وهي لم تتعدّ الأربع سنوات بعد. أخذت تتساءل عن سبب عدم تمكّن أخيها من التكلم معها، ولماذا لا يشاركها اللعب مثل باقي الأطفال. هي الأخرى اشتاقت لصوته مثلي. كانت عيونها تدمع رغم أنها اخفتهم ببراءتها، فقد وُلدت في بيتي أمّاً ثانية مع ولادة مشكلة يكاد حَلها يَبتعد كثيراً عن الواقع.
توجهنا إلى مركز لفحص السمع وكانت النتيجة إيجابية، فهو يسمع حتى رنّة الإبرة كما وصفه المختص، فلماذا إذن التأخر في النطق!!؟ هذا ما أربكنا أكثر وجعل الحزن والحيرة يأخذان مساحة أكبر في حياتنا.
اليوم، مع فنجان قهوتي، وحيث الأبواب مـشَرعة على مـصراعَيها، تَجول في خاطري ذكرياتٌ مضت، حينما كان شُغلنا الشاغِل هو إغلاق الأبواب خَوفاً على وسيم من الخروج إلى الشارع، لأنه ببساطة عشقَ الأماكن المفتوحة ليجري بِها دون هدف. لم أدرك آنذاك أسباب عِشقه لهذه الأماكن.
آثرتُ أن أُدخله إلى الحضانة في عُمر السَنَتَين، رغم أنني لم أعمل في حينه خارج البيت، إلاّ أنني فضّلتُ، بتَوجيهٍ من عاطفتي، أن يختلط مع الأطفال، عساه أن يتعلم منهم بعض الحروف، وقد رحّبت المربية في بداية الأمر بوسيم وبفِكرة وجوده بين أولادها...
بدأ وسيم بالخروج من البيت صباحاً والعَودة مع التلاميذ ظهراً. اكتَنفتني السعادة المؤقتة. شَعَرتُ لأول مرةٍ بأنه يشبه الأطفال أبناء جيله. كان الوقت الذي يقضيه خارج البَيت بمثابة هدنة أختلي بها مع ذاتي وأرمّم أفكاري علّني أجد حلاً لحالته، وبدلاً من إكمال دراستي والبحث عن المعرفة، قضيت هذا الوقت في النوم العميق.. لا أعلم هل هو هروبٌ أم استعدادٌ لبقية نهارٍ شاق ينتظرني؟!
في الاجتماع الأول مع مربية الحضانة، اقترحت المربية أن نتوجه بوَسيم إلى مراكز العلاج بالنطق لمساعدته على لَفظ بعض الحروف، وأضافت إنه يعاني من مُشكلة الحركة الزائدة، فهو يتمتع بصحة وافرة والحمدلله، لم تنجُ منه المقاعد ولا الطاولات المُعَّدة للتعليم والرسم لأنه اعتبرها وسيلة لتفريغ طاقته والصعود من خلالها إلى أقرب منفذٍ يرى منه أماني النهار خارجاً.