أنت هنا

قراءة كتاب المنفى الشعري العراقي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المنفى الشعري العراقي

المنفى الشعري العراقي

كتاب " المنفى الشعري العراقي " ، تأليف د. علي ناصر كتانة ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وقد لاحظنا أن الموتَ ثيمةٌ مركزية في شعر المتنبي، شأنهُ شأن جميع العظماء، يحملّها دلالةً وجودية بارزة كمعادل موضوعي للاغتراب:

ما مقامي بأرضِ نخلةَ إلاّ

كمقام المسيح بين اليهودِ

عشْ عزيزاً أو متْ وأنتَ كريمٌ

بين طعن القنا وخفقِ البنودِ

وغالباً ما يربط المتنبي الكرامةَ والطموحَ والعزّة بالإقدام على مواجهة الموت، أي أنه يضع هذه القيم بمرتبة الحياة:

إذا غامرتَ في شـرفٍ مرومِ

فلا تقنعْ بما دون النجومِ

فطعمُ الموتِ في أمرٍ صغير

كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ

ولا شكَّ أن ذلك كلّه يتجسّد إنسانياً وشعرياً في قيمة الشجاعة التي تفيض في قصائد المتنبي:

وإذا لم يكن من الموتِ بدٌّ

فمن العجزِ أن تكونَ جبانا

وما يدعّم فرضيتنا بأن منفى المتنبي كانَ على الدوام ذا صبغة سياسية، ذاك اضطرارُه، تحت وطأة ظروف تحاولُ استلابَ حريتهِ أو إضعافِ منظومةِ القيم التي يؤمن بها، إلى الإقامة في المنافي:

يقولونَ لي ما أنتَ في كلِّ بلدةٍ

وما تبتغي ما أبتغي جلَّ ما يُسمى

واني لمن قومٍ كأنّ نفوسَنا

بها أنَفٌ أن تسكنَ اللحمَ والعظما

فلا عبرتْ بي ساعةٌ لا تعزني

ولا صَحِبتْني مهجةٌ تقبلُ الذلاّ

ورغم ما يُلحظُ من عروبيةٍ بائنةٍ في شعر المتنبي، بِيْدَ أنه ربما كانَ متفرّداً في تفاعلهِ مع حال الأمة، حيث يوازن بين اعتزازه بالانتماء لها وعدم تردّده في توجيه النقد لما وصلت إليه من حال، عندما يعاني من الاغتراب داخل الوطن وخارجه:

إنّ العراق طويلُ الليلِ مُذ نعيتْ

فكيف ليلُ فتى الفتيانِ في حلبِ

أو قوله:

وهكذا كنتُ في أهلي وفي وطني

إنَّ النفيسَ غريبٌ حيثما كانا

وحين تعصـرهُ الغربة والشعور بالوحدة، رغم ما يحاط به عادةً من حفاوة، ينشدُ لنا ما يقتضي ثباتَ الحال إنشادَنا لهُ بعدَ ألف عامٍ ونيف:

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ

أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ

ثم تهدلُ جوانحهُ بنعائية مؤثرة:

بمَ التعلّلُ لا أهلٌ ولا وطنُ

ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكَنُ

إلاّ أنه سرعان ما يستعيد رباطةَ جأشِهِ ويكرّرُ رسالتَهُ في الحياة:

أريدُ من زمني ذا أنْ يبلّغَني

ما ليسَ يبلغُهُ من نفسهِ الزمنُ

الصفحات