أنت هنا

قراءة كتاب المنفى الشعري العراقي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المنفى الشعري العراقي

المنفى الشعري العراقي

كتاب " المنفى الشعري العراقي " ، تأليف د. علي ناصر كتانة ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

وشغل الأندلسي عن ابن زريق أياماً، ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه، فانتهوا إلى الخان الذي كان فيه وسألوا الخانية عنه، فقالت: إنه كان في هذا البيت، ومذ أمس لم أره، فصعدوا فدفعوا الباب، فإذا بالرجل ميتاً (420 هجرية)، وعند رأسه رقعة دوّن فيها قصيدةً تعتبر أجمل ما كُتبَ في مناجاة حبيب بعيد، وهو الذي لم يُعرف عنه أنه كان شاعراً من قبل. ويُنقل عن ابن حزم قوله:

"من تختّمَ بالعقيق، وقرأ لأبي عمر، وتفقّه للشافعي، وحفظ قصيدة ابن زريق، فقد استكمل الظرف".

ومن وجهة نظر شخصية أرى أن أعظم ما في هذه القصيدة، ليست جماليتها في المقام الأول، وإنما بُعدها الإنساني ويُتمها وحداثة التناول لموضوع محكوم بمنظومة القيم السائدة آنذاك، وأعني هنا تعبير الرجل عن علاقته بالمرأة، حيث كانت التقاليد توجب عليه أن لا يظهر ضعفه الإنساني أمامها، وأن لا يخطّئ نفسَه حدّ التقريع، ولكن ابن زريق فعلَ ذلك بأروع الصور، ولعلَّ هذا هو ما خلّدَه شاعراً لقصيدة واحدة:

لا أَكُذب اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخرقٌ

عَني بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ

إِني أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ

بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ

رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ

وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يخلَعُهُ

وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا

شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ

كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ

كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ

الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ

أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ

لَو أَنَّني يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ

إِني لأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِدُها

بحسـرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ

بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ

بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلي لَستُ أَهجَعُهُ

لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعٌ وَكَذا

لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ

ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدَهرَ يَفجَعُني

بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ

حتى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ

عَسـراءَ تَمنَعُني حَظّي وَتَمنَعُهُ

وربما يكون ابن زريق هو أول شاعر عراقي يموت في المنفى كمداً، وبعد ألف عام من وفاته امتلأت المنافي بالشعراء العراقيين وقبورهم.

الصفحات