أنت هنا

قراءة كتاب الغربة والتغرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الغربة  والتغرب

الغربة والتغرب

كتاب " الغربة والتغرب "، تأليف محمد عمر أمطوش ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

الـبرنامج

الكتاب الراهن هو بيان عقلاني في صالح طريقة عمل وبحث في علوم التواصل. وما زلت أظن بأن الصور المائية كانت ذات آثار سلبية بمـعنى أنه لا زال يصعب التفكـير في التواصل خارج وسائل الإعلام بما فيها التقنيات الجديدة إلا على صورة سيل رسائل تهطل على المتلقي. فكرة التواصل لا زالت صنو ورديفة النقل والبث وغالباً لا قيمة لها تحليلية إضافية. يكفي اختبار: لنأخذ نصا من علوم المعلومات والتواصل ونشطب كل كلمة "تواصل" فيه ونبدلها بالبث والنقل ولنعد قراءة النص وسنجد أن المـعنى لم يتغـير.

حين نتفحص تاريخ العلوم الإنسانية والاجتماعية في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين نندهش من حجم نجاح منوال التواصل لكلود شانون[25] Claude Shannon ووارين وويفر [26]Warren Weaver. وأعارض هذه التصور المبراقي[27] مع ما يمكن أن نسميه تواصل ’جوقة منسقَة‘، أركستـرا، الذي طوره خلال الخمسينات والستينات باحثون مثل جريجوري باتيسان[28] Gregory Bateason وراي بوردويستيل Ray Birdwhistell[29]. وبالاعتماد على تقيمين نقديين للتصور الثاني والذين صاغهما ديل هيمس[30] Dell Hymes وإرفين جوفمان Erving Goffman وصلت لاقتـراح أنانستي للتواصل.

أناسة التواصل الـتي أدافع عنها ليست مقاربة أجناسية لظواهر اجتماعية متعلقة بالتواصل في معناه العادي، من المحادثة بين الجـيران إلى وسائل الإعلام. هي أيضاً أوسع من ذلك، هي أناسة بالتواصل أي أناسة تواصلية على شاكلة الأناسة الإدراكية والمرئية والرمزية... والـتي تقتـرح تحليل العالم الاجتماعي من منظور معين منجز نظرياً. وهنا فإن الإطار النظري هو التواصل بمعناه "تنفيذ الثقافات" "وليس نقل الرسائل".

أناسة التواصل هي إذا أناسة بلا موضوع؛ فلا تمتلك لنفسها إلا طريقة في القراءة وفي تأويل الحياة في المجتمع. وأمام خطر قراءة مختزلة للعالم الـتي قد تحملها قراءة من هذا النوع يجب التذكـير الآن ’بمحتمات الأجناسية‘ الـتي يطيع لها أناسي التواصل والـتي لا توجد إلا على الأرض وفي وضع الملاحظ المشارك. ولكن وبنفس الطريقة الـتي يرفض بها أن يِفرض عليه موضعُه التجريـبي إشكاليتَه، يحدد أناسي التواصل ويعرف بنفسه حقل بحثه في كنف مجتمعه الخاص أو في غـيره. هذا التصرف يستحق توضيحات على شكل نصائح عملية وفي نفس الوقت (الجزء الثالث) أمثلة بحوث (الجزء الرابع).

أحسن طريقة لجر طالب للعوم والـنزول إلي المعمعة، يعـني الخروج إلى "أرض البحث"، هو مرافقته في الخرجة أو على الأقل رواية كيف تصرفنا نحن أو لم نتصرف في سنه. وغالباً ما أقتـرح علاوة على ذلك على طلابي قراءة سرديات وتقارير عن بحوث ميدانية قبل قراءة النصوص النظرية الـتي تؤسسها ولو أنه من منظور إيبستيمولوجي تتم النقلة من النظرية إلى الحقل. فإذا فتحت التقارير شهيتهم فإنهم سيرتقون بسهولة الدرجات النظرية والمفهومية؛ وإذا صدتهم المعطيات فلا حاجة لقراءة النظرية.

الجزء الخامس سيكون تنبؤياً واستغواراً. فإذا ابتغينا أن يكون البحث في التواصل متجددا يجب تغيـير وجهة العلاقة بين الباحث ومواضيعه. إذ أنه في كنف علوم المعلومة والتواصل الفرنسية فإن وسائل الإعلام تُفرض من البداية على الباحثين كمواضيع دراسة "جلية". يعـني أن موضوع التجريب هو الذي يحدد العلم. وفقط بعض فرق البحث تحاول اليوم الهروب من الإطار الضيق بالتفكـير في الاتجاه المعاكس من الأرضية النظرية إلى العالَم. وهكذا فالمحاولات الحالية لإنجاز نظري لتصورات مثل الوساطة أو الاستقراء يمكن أن تتصور كمجهود للخروج من هيمنة وسائل الإعلام. ويجب التذكـير هنا بالجملة الجميلة لأدوار سابـير[31] Edward Sapir في 1927 "لا يوجد فرق بين تنفس، إذا أول التفس كتصرف اجتماعي، وديانة أو نظام سياسي" (سابـير، 1967: 37). لا يوجد موضوع تواصلي متفرد في نوعه، إذ لا توجد إلا مواضيع يقرر الباحث في التواصل دراستها حسب منظوره الخاص. وأناسة التواصل يمكن أن تساهم في تجديد هذا المنظور والمساهمة في إعادة تطوير علوم المعلومة والتواصل.

ولكن بلا دعاية وتهريج، سنحكم على أناسة التواصل من إنتاجها وعطائها. برنامج منطلقها هزيل وذلك متعمد، فالآلية النظرية الضخمة في الغالب هي الـتي تعطي نتائج ميدانية وعملية مخيبة (وبعضهم قد يستذكر بحنين الآمال الـتي علقت على العِلامية العامة في السبعينات). الكتاب الحاضر يراهن على بروز جيل جديد من الباحثين لم يعرفوا خيبة سابقيهم. ولا يجب رسم صورة براقة لمستقبل البحث في التواصل ولكن بالتأكيد لا يجب الظن بأن الصورة تحققت سلفاً أو بيع السمك في البحر.

الصفحات