أنت هنا

قراءة كتاب الغربة والتغرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الغربة  والتغرب

الغربة والتغرب

كتاب " الغربة والتغرب "، تأليف محمد عمر أمطوش ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

فحين كان النفسانيون الثلاثة لا زالوا يعملون مع كورت لوفين في معهده قام الثلاثة بدراسة ميدانية حول تكون المجموعات غـير الرسمية ومعايـير المجموعات بين الطلاب المتزوجين في المعهد والقاطنين في مجموعتين سكنيتين من الأبنية. في وستجيت، والشقق هي دور فردية شيدت على شكل نصف دائرة حول ساحة وفي ويستجيت الغربية فالدور كانت سابقا مخازن البحرية بطابقين قسمت إلى عشر غرف. وانطلاقاً من المعطيات الاجتماعية الحسابية يستنتجون علاقات بين البعد الجسدي ومجموعات الأصدقاء[56]: فالمجموعات تتكون في كنف الساحة في ويستجيت وفي حضن الجناح الكبـير في ويستجيت الغربية. ويظهرون بعد ذلك كيف تتكون معايـير المجموعات الـتي تضغط على عناصرها، وكذا مختلف ما تعكسه التصرفات إزاء مجلس القاطنين. وهنا أيضاً كما في الأبحاث التجريبية فإن المجموعة تؤثر على أفرادها بواسطة التواصل وقد رئيت كنسيج من قنوات دقيقة تنتقل فيها المعلومة ومعها المعايـير والتصرفات:

"شبكة الاختيارات الاجتماعية الحسابية تسمح لنا ليس فحسب من تحديد الطريق الذي تأخذه الاتصالات ولكن أيضاً اقتـراح قاعدة محسوسة لفهم تكون واستمرارية المعايـير وتصرفات المجموعة. ويمكن أن يقال بمعقولية بأن الأفراد الذين يتواصلون ويتفاعلون كثـيراً (كما يبرهن الاختبار الاجتماعي الإحصائي) سيكون لهم حظ أكـبر للوصول إلى تفاهم متبادل وتقاسم تصرفات مشتـركة وقيم أكـثر من العناصر الـتي لها اتصال ضعيف بينها وتواصل قليل." (فيستينجـير، شاشتـر، باك، 1958: 185-186).

وهكذا تظهر المعطيات انحرافات قياسا للسلوك العام للمجموعة المكونة في كل ساحة من ويستجيت إزاء مجلس القاطنين. هؤلاء ’المنحرفين‘ هم بالضبط المعزولون في البنية الاجتماعية الإحصائية لكل ساحة وكذا من حيث الموقع الجغرافي لدور الساحة (الـتي تطل على الشارع وليس على الساحة). ويختم الكتاب أوفياء لموقفهم حول دور التواصل في المجموعات:

"يبدو أن مجموعة الساحة يمكن بصعوبة أن تؤثر على هؤلاء القاطنين العشرة بسب موقعهم الجغرافي المعزول أو لنقص الاتصال الحاصل بينهم وبين العناصر الأخرى في الساحة. غياب الاتصال هذا يدفع للتفكـير بأن الصدفة بالأخص هي الـتي توجه التصرف والسلوك الذي أصبح معيار الساحة."

غـير أنه وعكس الأبحاث التجريبية فهذه النتائج تعتـبر كتوكيد لفرضيات حول الحياة في مجتمع عموما بمـعنى أن المجموعات الصغيرة الـتي تتعلق بها النتائج تعتـبر ككيانات وسطية بين الفرد والمجتمع. وهذه تفرض ضغوطها على الفرد بواسطة المجموعات الصغيرة (فيستينجر، شاتشير، باك، 1950: 3-4). إلا أنه إذا كان التواصل هو الوسيلة الـتي تعمل بواسطتها المجموعات فعلياً "فإنها تصبح بحكم الواقع الوسيلة الـتي عبرها يصبح وجود مسار العام اجتماعي ممكناً". (فيستينجر، ساتشير، باك، 1950: 114). التواصل مسعفاً في هذا بوضع الأشياء في شبكات تمثل نظاماً عصبياً ونظاماً جريان دم وتنفس، وبتلخيص حياة المجتمع.

ويوجد تصور شبيه في أبحاث حول التواصل الجماهيري في سنوات الخمس أربعينات لصيق بالأبحاث حول التواصل البي شخصي. من جهة الأبحاث هي يقودها دائماً نفس الأشخاص، عموما النفسانيون (مجموعة هوفلاند بجامعة يال) أو علماء النفس الاجتماعي (مجموعة لازارفيلد بكولومبيا). ومن جهة أخرى الفرق بين التواصل المواجه (وجهاً لوجه) والتواصل عبر وسائل الإعلام لم يتصور كفرق في الطبيعة ولكن كفرق في المستوى. وقوربت وسائل الإعلام كتوسع بسيط لقدرات البث والتلقي عند الإنسان. ويلبور شرام Wilbur Schramm وهو من السابقين في دراسة التواصل بوسائل الإعلام يتحدث عن فرق نوعي. وبالنسبة له "مهما كانت مباشرة أو بعيدة في الزمن والمكان فإن علاقة التواصل تشمل ثلاثة عناصر: المتواصل، الرسالة والمتلقي"(1970: 14-15). ونجد هنا الصيغة المشهورة لهارولد لاسويل H. Lasswell الـتي استغلت كإطار بحث لجيل بكامله من الباحثين والـتي يمكن أن تطبق سواء لدراسة أثر دعائي (هوفلاند، لومسدين Lumsdaine وشيفيلد Shieffield، 1949) أو لدراسة تبادل الملاحظات في حضن مجموعة أشخاص.

"قد نعطي وصفاً ملائماً لفعل تواصل بالجواب على الأسئلة التالية: من ومن يقول ماذا وعبر أية قناة، وبأي أثر؟" (لاسويل، 1949).

بالنسبة للدراسات الأولى فالسؤال الأخـير هو الذي سيدرس بالخصوص. وهكذا يبحث كارل هوفلاند وشركاؤه "تحديد تحول السلوك من خلال التواصل" (هوفلاند، جانيس Janis وكيليKelly، 1953: 9، والتأكيد من الكاتب). "الأشخاص معرضون لتواصل" لتكرار جملة تستعمل كثـيراً في هذه الدراسات، يعـني شريطاً، عرضاً، وثيقة مكتوبة ...الخ. ويحاول الباحثون تقييم فعالية هذا التواصل في إحداث تغـير سلوك بمقارنة النتائج والاختبارات (من نوع سلم سلوكيات) الـتي تجرى قبل وبعد الرسالة[57]. التواصل هو إذا وسيلة لإحداث تأثير. هذا التأثير مباشر وآني وبلا شائبة. وظهرت حدود الدراسات الـتي تمت حسب هذه المبادئ بسرعة[58]؛ وسيكون الحديث بتقسيم عن نظرية طلقات التواصل (شرام، 1971: 8) ومنوال الوخز بالإبر" ولكن إن لانت وتلطفت الأمور– إذ قد يتحول التواصل من قطرة إلى وابل – فإنها مع ذلك لم تتغـير جذرياً: ويبقى التواصل متصوراً كوسيلة بهدف تأثير. وهو "جدول التأثيرات" (بال Balle وباديولو Padioleau، 1973) سواء سميت التأثيرات تأثيرات أو وظائف أو نتائج.

’التأثير الشخصي‘، عنوان كتاب إليهو كاتز Elihu Katz و بول لازار فيلد (1955) هو بلا شك أحسن برهان على هذه الوحدة في علم الاجتماع النفسي الـتي تكون البحث في التواصل البي شخصي وتواصل بوسائل الإعلام. ونجد فيه الأسئلة الكبرى للمرحلة: كيف يتم تغـير السلوك؟ كيف تؤثر وسائل الإعلام على الأفراد؟ وكيف تنتشر الأخبار؟ دراسة تتابع نتائج تقص ميداني تم في 1940 حول آليات التصويت الـتي أنجزها لازار فيلد وبرنار بـيرلسون وهازيل جودي سميت ’اختيار الناس‘ (1948). في هذه الدراسة ينتقد الكتاب الرؤية المصغرة المجزأة للمجتمع والتصور التقريـبي للتأثيرات المباشرة والآنية للمذياع والصحافة المكتوبة الـتي نشرتها عديد من أبحاث تلك المرحلة. وأكدوا على المكانة الكبـيرة الـتي أخذتها في اتخاذ القرار ظواهر التأثير البي شخصي. ولاحظوا أيضاً بأن بعض الأشخاص يبدون أكـثر تأثيراً من الآخرين: ويسمونهم زعماء أو مؤثرين. وطرحوا بعد ذلك سؤالاً حول معرفة كيف تم التأثير في الزعماء بدورهم ووصلوا للفرضية المشهورة "التواصل بطابقين". وكما يقول كاتز ولازار فيلد في ملخصهم التحليلي ’لاختيار الناس‘:

"أساساً الاقتـراح كان التالي: سيل الأفكار يبدو أنه ينطلق من المذياع أو الصحافة نحو زعماء الرأي، ومنهم نحو أجزاء أقل نشاطا من الناس" (1955:32).

الصفحات