كتاب " الغربة والتغرب "، تأليف محمد عمر أمطوش ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الغربة والتغرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الغربة والتغرب
المبراق في المجموعات الصغرى
في نص تـركيبي كتب حوالي 1968-1969 سطر سيرج موسكوفيسي S. Moscovici على أربعة مواضيع كمواضيع أو كخانات تجلب أكـبر قدر من الأبحاث التجريبية أو النظرية في علم النفس الاجتماعي: تغـير السلوك؛ التواصل الاجتماعي؛ المجموعة المصغرة ومسلك التأثير؛ الإدراك (1970: 38).;في الفقرة المخصصة للتواصل الاجتماعي يعطي موسكوفيسي لهذه "مكانة عَقْدِية" في علم النفس الاجتماعي وفي نفس الوقت لأسباب تاريخية وعلمية:
" تاريخياً، لأنه بهذا المجال أصبح العلم حقلاً محدداً علمياً بفضل أعمال لازار فيلد وهوفلان Hovland ولوفين Lewin. علمياً، لأن التواصل يقود الظواهر الأساسية الـتي تتحكم في تطوير أبدية العلاقات الاجتماعية ومنتجاتها (تصرفات، وتمثيلات عقائد؛ وأداء المجموعات في التغيـير الاجتماعي ...)"(1970:42).
هذه الفقرة مهمة من زاويتي نظر. فمن جهة تظهر كيف أن علم النفس الاجتماعي[54] يرى نفسه كعلم أُسس بدراسة التواصل وفي نفس الوقت يؤسس التواصل في كل الأبعاد (بما فيها الأبعاد الاجتماعية المصغرة كوسائل الإعلام الـتي رئيت كوسائل تغيـير سلوك). ومن جهة أخرى هذه الفقرة تظهر كيف أن علم النفس الاجتماعي كنسيج علاقات اجتماعية يتحكم فيه التواصل (هنا نرى تعاليم ج.م. ميد[55]). التواصل رئي كمسار واسع حيوي يُنفس المجتمع. هذا التصور للحياة الاجتماعية له انعكاسات مباشرة على البحث: العلاقات الاجتماعية في كنف مجموعة صغيرة يمكن أن تقارب إما كإعادة إنتاج مصغرة للمجتمع عامة وإما كمقتطف من هذا المجتمع العام الذي هو على شكل خلايا نحل متشابهة. وسيكون التواصل هو المسار العام الذي بواسطته تتكون المجموعة المصغرة وتتغـير. التواصل وقد أصبح عملياتياً سيكون مجموع المبادلات الشفوية بين أعضاء المجموعة. إذاً، خطوة بعد خطوة سنصل إلى المجموعة المصغرة التجريبية. وبلا شك لم نخن الفكرة الصريحة لموسكوفيسي ولكننا رجعنا إلى الأبحاث الـتي تؤسسها.
عولجت في بداية الخمسينات كمية كبـيرة من المقالات وكتب التواصل في كنف المجموعات المصغرة. والأعمال التقنية المنجزة في المختـبرات لم تكن تهتم بالاعتبارات النظرية: واعتـبرت التواصل كعدد مبادلات الرسائل بين المشاركين المرتبطين بقنوات تشكل شبكة. والأبحاث الأكـثر أدبية المنجزة على الأرض حاولت غالباً أن تـبرز كيف أن شبكات التواصل الـتي اكتشفتها تشكل لحمة الحياة في المجتمع.
ومن بين الأبحاث التجريبية أعمال أليكس بافلاس Alex Bavelas وشركائه من معهد ماساشويت للتقنية وهي من بين أكثرها تعبـيراً عن النوع. وألهمت أبحاث كلود فلامون Calude Flamond(1965) في فرنسا. وهكذا يجمع هارولد ليفيت Harold Leavitt(1951) خمسة أفراد إلى طاولة ويفرق بينهم بحاجزين عموديين. وقد تنتقل ملاحظات مكتوبة بين الجالسين عبر فتحات في الحاجز. كل فرد يحصل على خمسة قصاصات ورقية مختومة برمز كتابي. مهمة المجموعة تتمثل في العثور على الرمز المشتـرك بين الأفراد. والمجرب قد يغـير ما يسميه شبكة التواصل بفتح أو إغلاق بعض الفتحات. ويحصل بذلك على شبكات دائرية ومتسلسلة متفرعة ونجمية أو متقاطعة. تنظيم المجموعة طرح كمتغـير مستقل والمتغـير المرتبط هو قدرة المجموعة على حل مشكلتها. لا تهمنا هنا النتائج والـتي ناقشها كثـير من علماء النفس مع تغيـير في تنظيم المجموعة وفي معنوية الرسالة ونوع المشكلة المطروحة. ما يهمنا هو تصور التواصل المضمن في هذه التجارب. وكما يقول ليفيت ومويلر Mueller (1951): "التجارب المنقولة هنا تتعلق بنقل المعلومة من شخص ألف إلى شخص باء[...] وسنختار كمواد للتواصل في هذا التجارب سلسلة أشكال هندسية" (عن هار Hare وآخرين، 1955: 414و416). التواصل المعـني في هذه التجارب هو نقل رسالة بسيطة من شخص لآخر. وكما هو في مخطط اجتماعي فإن العلاقات بين أفراد المجموعة هي مرسومة بوضوح. وهنا زيادة، تضعف هذه البنية الاجتماعية بشبكة تواصلية خلقها المجرب. وكما كان الأمر عند بارنارد Barnard فإن التواصل يرتكز على شبكة قنوات حيث تنتقل المعلومات. وهو تصور مرئي وواضح وجلي. وفي الواقع فإن ظاهرة التواصل البين أفراد بديهية وطبيعية في هذه التجارب وما يعـتـبر كإشكالية هو المجموعة وأداؤها. التواصل هو الظاهرة المفسرة والمتغـير المستقل هو الوسيلة الـتي بواسطتها قد تحصل المجموعة على تأثير (أو نتيجة) على عناصرها.
ونجد تصوراً للتواصل شبيها لهذا في أعمال أنجزت على الميدان منها أعمال ليون فيستينجر Leon Festinger(1950) وستانلي شاشتير Stanley Schachter وكورت باك Kurt Back وهي مثل مشهور.