كتاب " الغربة والتغرب "، تأليف محمد عمر أمطوش ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الغربة والتغرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الغربة والتغرب
الفصل الأول :التصور المـــبراقي
من المنوال التقني إلى المنوال الكوني
عرفت الولايات المتحدة مباشرة بعد الحرب الكونية الثانية مرحلة لم يدرسها بعد المؤرخون جيدا. فحين بدأت إمارات حرب باردة تلوح والمكارثية في أول خطاها، شهدت الأوساط العلمية سنوات جد مثمرة. وأحد أسباب ذلك هو أن عديداً من الأعمال المهمة المطورة خلال الحرب خرجت تدريجيا من السرية العسكرية إلى النور. وصدر تواليا كتب مهمة. ففي عام 1948 أصدر نوربـير فينيرNorber Viener [32] كتابه ’السبرانية أوالتحكم والتواصل عند الحيوان والآلة‘ وفي 1949 أصدر أحد قدماء طلابه في معهد المساشوسيت كلود شانون ’نظرية رياضيات للتواصل‘. وخلف الباحثين يوجد في الواقع عشرات الأمريكيين والإنجليز وخلفهم سنوات بحث. وأن يصل المطاف بتقليد طويل في البحث إلى كتابين مبنيين على التواصل والمعلومة فذلك ذي أهمية كبـيرة لدراستنا. ولكن يجب الاحتـراس من فخ الكلمات.
فأن يكون سواء في مؤلف السبرانية (1948) أو في مؤلفه الاستعمال الإنساني للكائنات الإنسانية[33] (1954-[34]1971) وهي نسخة شعبية مبسطة من الكتاب الأول فإن ويفر لم يطور تجريداً مفهومياً جديداً للتواصل رغم أنه يقول:
"ما هو هذا التواصل الذي سمى الإنسان كإنسان؟ سأخصص جزءاً كبـيراً من الكتاب لعرض نظريات ومفاهيم تساهم في حل هذه المسألة" (1971: 30).
وفي الواقع تصوره للتواصل يبقى تصور اللغة العادية:
"عندما أتواصل مع شخص آخر فإنني أنقل إليه رسالة ولما يتواصل هذا الشخص بدوره فإنه يعيد إلي رسالة من نفس الطبيعة تحوي معلومات مفهومة له أولاً وليس لي" (1971:43).
مخطط التواصل الذي يصفه فينير هو في الواقع مخطط نقل رسالة من فرد (أ) إلى فرد (ب) وهو بالضبط ما يقتـرحه شانون في كتابه:
زيادة على أنه عند فيـنير لا يتعلق الأمر بتجريد فكرة التواصل. وارنر ويـفير يقدم أبحاث شانون وأساساً الكمية منها، بمقال شديد التعميم كثـير النفع ولكنه بالتأكيد مموِّه[35]. شانون كمهندس في مختـبرات بيل تليفون لم يفكر بلا شك إلا في صياغة نظرية رياضية للمبراق بعد أعمال نيكفيست وهارتلي[36] Nyquist & hartley. ولكن ويفر ذهب بعيدا. وافتتح مقاله بتعريف واسع للتواصل:
"كلمة التواصل ستستعمل هنا بمـعنى واسع جداً فهي تحوي هنا كل الطرق الـتي عبرها يمكن أن يؤثر عقل على آخر. وهذا بالطبع يشمل ليس فحسب اللغة المكتوبة والمنطوقة بل أيضاً الموسيقى والفنون الجميلة والمسرح"
(شانون ويفر، 1949/1975: 31).
ويطرح بعدها ثلاثة مستويات من المشاكل المتعلقة بالتواصل:
"مستوى أ: كيف يمكن أن تنقل رموز التواصل مضبوطة؟ (مشكلة تقنية)
مستوى ب: بأية دقة تنقل رموز التواصل المـعنى المطلوب؟ (مشكلة دلالية)
مستوى ج: بأية فعالية يؤثر المـعنى المحصل في سير المـعنى المرغوب؟ (مشكلة نجاعة)
ويعتـرف بأن شانون لا يفكر إلا في للمستوى أ. ولكن ويفر يقتـرح الذهاب إلى أبعد من ذلك، على الأقل إلى نقطة ما، وكذا يقتـرح نظرية للمستويات ب وج" (1949/1975:35).
وبالعودة إلى رسيم شانون بدأ ويفر في تحديد كل من مصطلحاته و التدليل على أن حالة تواصل (كما عرفها عاليه) هي نموذج لها.
"المرسل يحول هذه الرسالة إلى إشارة والـتي آنذاك تـرسل عبر قناة تواصل المرسل إلى المتلقي. في حالة الهاتف فالقناة هي خط معدني والإشارة تيار كهربائي متحول يقطع الخط؛ المرسل هو مجموعة عناصر (مرسل هاتفي...) يحول ضغط الصوت الشفوي إلى مقاطع كهربية متقطعة بطول مختلف (نقاط، أسطر وبياض). بالنسبة للغة المنطوقة مصدر المعلومة هو المخ والمرسل هو عضو شفوي فمي ينتج ضغطا متفاوتا صوتيا (الإشارة) منقول عبر الهواء (القناة). والمذياع: القناة هي ببساطة الفضاء (أو الأثير) والإشارة هي موجة كهرمنغاطيسية منقولة" (1949/1975: 36).
وأخـيراً بالعودة إلى المستويات الثلاثة يختم ويفر بأن التفريق إلى ثلاثة مستويات هو حقيقة مصطنع وغـير مرغوب فيه (1949/1975: 38). ويعطي يفر أربعة أسباب لهذه الخاتمة. أولاها يشمل البقية: "النظرية الرياضية لشانون هي أعم وأعمق لدرجة أن العلاقات الـتي تنجزها تطبق بلا تميــيز في كل حالات التواصل" (1949/1975: 78).