كتاب " المتاهة " ، تأليف أيمن توفيق ،والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب المتاهة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المتاهة
وشيئاً فشيئاً بدأت أحلامه في التلاشي، وأخذ طموحه في الانهيار بعد أن خبت جذوة الأمل وانطفأ نورها بداخله، وبدأ يحيا تلك الحياة التقليدية التي يعيشها معظم البشر، رحلة كدّ دائم للحصول على أقل متطلبات الحياة.
بينما لم يبقَ من أحلامي شيء، وأضحى بكالوريوس الآداب الذى حصلت عليه مجرّد حبر على ورق داخل إطار خشبيّ معلّق فوق أحد جدران المنزل، وبات تطلعي الوحيد لتلك الحياة المملّة الرتيبة التي يعيشها الجميع هو الهاجس الذي طالما هربت منه؛ الحياة التي يعيشها معظم البشر، فمعظمهم مجرّد تروس في آلة البشرية؛ تزاوُج، تناسُل، تربية أبناء، مهمّتهم الوحيدة هي الحفاظ على استمرارية البشرية، لتنتهي رحلتنا في الحياة بوصول أبنائنا إلى برّ الأمان، وهو تلك الحياة المملّة الرتيبة التي عشناها من قبل للحفاظ على الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة، لننتظر بعدها شبح الموت، وتبقى ذكرانا مجرّد ترحُّمات على أرواحنا كلما تم تذكُّرنا، بشكل عابر، سرعان ما تخبو مع الوقت، دون أن يساهم أيّ منّا بهدف واضح في نهضة وتقدم البشرية.
إنه الهاجس الذي طالما هربت منه. لا أريد أن أصبح مجرد ترس في آلة البشرية. لذلك حرّمتُ الحب على نفسي، هربتُ منه، حاربتُهُ، لكنّ معركتي كانت خاسرة. أخيراً، وجدت سفينتي مرساها على شاطئ عينيها السوداوين، وأضحى بريقهما منارتي في ظلمة الحياة. ظهرتْ في حياتي لتدعم الأواصر والصلات بيني وبين الحياة من جديد. حتى إنّ تلك الحياة التي طالما رغبت عنها أضحت هي كل ما أرغب فيه، بعد أن تلاشت أحلامي واحداً تلو الآخر.
ورغم ما أحمله بين جنباتي، لم أجرؤ على مصارحتها بحبي، لم أحاول حتى معرفة مشاعرها تجاهي مكتفياً بما أحمله في داخلي من مشاعر. قد يرانى البعض مخطئاً، ولكن كيف وبماذا أصارحها..؟ بحبي؟ وماذا بعد ذلك؟ حتى وإن بادلتني المشاعر نفسها... لا شيء. أنا لا أملك ما أقدّمه لهذا الحب. لا أملك أيّ شيء أبذله في سبيله. واقعٌ مرير، وغدٌ أشدّ مرارة. جنينٌ غير شرعي وجب عليّ أن أتخلّص منه منذ اليوم الأول. ولكن كيف لي أن أئِدَ هذا الحب بداخلي؟ ليته كان بيدي، ولكن، في الوقت نفسه، كيف له أن يحيى في عالم من الخوف يحيط به من كل مكان؟ لا أنكر أنني أردت كثيراً أن أصارحها بما أكنّه لها من مشاعر، أيّاً كانت ردة فعلها، وبغضّ النظر عمّا يحمله لنا الغد بين طيّاته، المهمّ أن أضع حدّاً لمعاناتي، وأن أتخلص من ذلك الحمل الجاثم فوق صدري، لكنني كنت عاجزاً عن فعل ذلك، فما تخلصت من نير حبها، وما صارحتها بما أحمله لها من مشاعر. فجأة دبّ بداخلي الأمل وداعبتني أحلامي من جديد مع ورود ذلك الاتصال، كنتُ أعلم جيداً ما تعنيه تلك المكالمة.