كتاب " المتاهة " ، تأليف أيمن توفيق ،والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب المتاهة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المتاهة
- نعم، وبكل سهولة، ليس عليك سوى الإجابة عن تلك الأسئلة الستة وإرفاقها بأوراقك. ولكن احذر، رغم بساطة هذه الأسئلة في ظاهرها لكنها عميقة المضمون. أما باقي الشروط فهي تنطبق على كلينا، فكلانا لم يتجاوز الثلاثين، وكل منا يعمل بعيداً عن مؤهله الدراسي تحت وطأة ظروف العمل.
لم أنم مطمئناً كما نمت ليلتها، فقليلة هي تلك الليالي التي تنام فيها على أمل، أيّاً كان هذا الأمل. تحمّست للفكرة. لم أتردّد للحظة واحدة، رغم أنّ المنحه تعادل شهادة الدبلوم الفني. لم تشغلني شهادتي الجامعيه كثيراً، وكذلك صديقي، فما فائدتها إن لم يكن هنالك نفعاً منها، ودبلوم من أميركا يتوافق مع سوق العمل أفضل بكثير من شهادة دكتوراه لا صله لها بسوق العمل. أخيراً، يمكننى تنفس الصعداء. إنها الفرصة التي انتظرتها كثيراً لأزيل عن أحلامي غبار الواقع الأليم. ربما تكون الأقدار هي من ساقت لي تلك الفرصة في ذلك الوقت بالذات؛ في الفترة التي أغلقت فيها الحياة أبوابها دوني. ظلّ الأمر يراودني أياماً كثيرة ليلاً نهاراً، ووجد بداخلي ذلك اليقين في أنني إذا تقدمت بأوراقي للمنحة، لا بدّ سأكون أحد هؤلاء المحظوظين. لأول وهلة تكوّنت في ذهني هياكل إجابة عن هذه الأسئلة الستة، لكنني تقاعست عن إفراغها على الورق، فتدابير القدر أبت إلا أن تلقي بي فريسة لهواجسي، بعد أن ساقت لي أحد عقود العمل في المملكة الأردنية الهاشمية، الأمر الذي سعيت خلفه لسنوات أربع منذ تخرجي من الجامعة، حينما قررت أن أسافر بعيداً، لأيّ مكان، المهم أن أحصل على الظروف التي تسمح لي بتحقيق طموحي. لم أستطع حسم الأمر بداخلي وبتُّ فريسة لنفسي التي تحدّثني:
«عصفور في اليد خير من ألف على الشجرة، وعقد عمل مضمون أفضل بكثير من منحة دراسية ما زالت في علم الغيب، حتى وإن كانت لأميركا نفسها. صحيح أن عقد العمل لا يضمن لي العمل الذي أرغب فيه، ولكن مع وصولي إلى هناك يمكنني البحث. المهمّ أن أصل أولاً إلى تجارة رائجة، تدرّ على أربابها أرباحاً خيالية، مئات من الشركات الوهمية التي تستقدم أيدٍ عاملة لا حاجة لها بها، لكنها تحمل من ناحيه أخرى ميزة مهمة، فهي تترك المسافر حراً يعمل حيثما شاء، دون أيّ تدخُّل من أحد، ما دام قد سدّد، مسبقاً، آلاف الجنيهات ثمناً لتلك الفرصة، مع ذلك، ورغم ضبابيتها، إلا أن نسبة المخاطرة فيها أقلّ بكثير، ومن يضمن لي أنني سأكون أحد هؤلاء المائة وخمسين مبعوثًا؟ لا بد أن هناك عشرات، وربما مئات الألوف، ممن تقدموا بأوراقهم مسبقاً، أنا لم أكن يوماً محظوظًا إلى هذه الدرجة».
توالى انصرام الأيام دون أن أحسم الأمر بداخلي، وكاد اليوم الأخير لتقديم الأوراق ينتهي، فلم يبقَ سوى ساعات قلائل على إغلاق باب التقدم للمنحة دون أن أستقرّ على رأي.
كنت في طريق عودتي من وزارة القوى العاملة والهجرة، بعد إحضاري صورة عقد العمل المصدّق من المقر الرئيسي للوزارة في القاهرة. يوم شاق من بدايته، منذ استيقاظي مع ارتفاع نبرات صوت الأذان لصلاة الفجر. اعتقدتُ مخطئًا أنني قد بكّرت بوصولي لمقر الوزارة مع دقات الثامنة صباحاً، لكنني وجدت المئات غيري من الطامحين الطامعين في السفر قد جاءوا هم أيضاً لإحضار صور عقود العمل الخاصة بهم.
تُوزّع العقود بشكل عشوائي. رجل وحيد يقوم بتسليم صور هذه العقود، يجلس تحت مظلة بائسة في الفناء الخلفي لمبنى الوزارة. مرة واحدة ينادي فيها على الأسماء، ومن لا ينتبه عليه أن يأتي في مثل الموعد نفسه من الأسبوع التالي، بينما وقفنا جميعاً تحت أشعة الشمس الحارقة التي اشتد سعيرها بمرور الوقت، في حين يقوم أربعة من رجال الأمن بلباس مدنيّ بالسيطرة على ذلك الجمع الكبير من الناس باستخدام العصي التي تسقط على جسدك لا تدري من أين، أو تلك الشتائم التي يشتد أزيزها بين الحين والآخر.