كتاب " المتاهة " ، تأليف أيمن توفيق ،والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب المتاهة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المتاهة
أول ما جال بخاطري تلك الليلة، حينما قدم إليّ محمد في ساعة متأخرة من الليل يحمل بين يديه تلك الورقات الخمس، أن نتسلّل بعيداً عن منازل القرية، استجابةً مني لرغبته في الحديث في الهواء الطلق. اجتزنا في طريقنا مجموعة من الشوارع والممارّ الضيقة المتداخلة بعضها ببعض في شكلٍ عنكبوتيّ، قبل أن نعبر ذلك الجسر الخشبيّ الجاثم فوق جسد القناة المائية، والذي يفصل بين منازل القرية التي نسكنها وتلك الأراضي الزراعية الواقعة إلى الغرب منها. سرنا على تلك الطريق الترابية الممهَّدة الممتدة بين مساكن القرية إلى وسط الحقول. كان البدر مكتملاً مما يسمح لنا برؤية معالم الطريق التي نحفظها عن ظهر قلب، فلطالما خرجنا للتسكع وسط الحقول هرباً من ليالي الصيف الحارة، أو في أوقات ما بعد الظهيرة؛ حينما تنكسر حدّة الشمس قبل أن تميل للغروب.
مسحت عني نسائم الهواء البارد ما كنت أشعر به من وسن، فما يزال الجو رطباً في ذلك الوقت من العام من أواخر شهر أبريل. أكملنا سيرنا وسط الحقول إلى أن وصلنا إلى تلك البقعة التي اعتدنا الجلوس عندها فوق أحد خطوط السكة الحديدية غير المستخدم في الوقت الحاضر. يبدو أنه كان يستخدم في الماضي لنقل الفحم من أجل تشغيل محطة الكهرباء التي تقع قريتنا في منتصف المسافة بينها وبين المدينة، لكن سرعان ما تم إهمال هذا الخط بعدما استخدم الغاز الطبيعي بدلاً من الفحم في توليد الكهرباء، وهنا استخدمه القرويون من أهل قريتنا والقرى المجاورة، ممن تقع ملكياتهم الزراعية إلى جواره، كمرابط للمواشي في أوقات النهار، بينما أصبحت أخشابه التي ترتكز عليها القضبان الحديدية حقاً مستباحاً للجميع، نستخدمها للشواء في موسم نضوج الذرة.
لم نكد نلتقط أنفاسنا، حتى بادرته بالسؤال:
- لا بدّ أنه أمر مهم ذلك الذي يستدعي حديثنا هنا وفي هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
ناولني تلك الورقات الخمس التي طواها بشكل أسطواني قائلاً:
- اعرف بنفسك.
تصفّحتها بنظرة سريعة، لم أفهم منها شيئاً؛كان ما استخلصته منها على ضوء القمر قليلاً، فلم أستطع قراءة شيء من محتواها سوى العنوان الذي كُتب بخط بارز. قلت:
- يبدو أنها أوراق إحدى المنح الدراسية.
فأجاب: «نعم هي كذلك. إنها إحدى منح الوكالة الأميركية للوكالة الدولية بهدف إعادة تكييف وهيكلة بعض الخريجين للتوافق مع أسواق العمل في مصر».
- وهل يمكنني التقدم إليها؟