أنت هنا

قراءة كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى

ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

كتاب " ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى "، تأليف مصطفى ذكري ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 1

مقدّمة

نحو أدب قاصر

كانت البداية مع القراءة الحرّة، وعلى وجه الخصوص القراءة في السِيَر الذاتية للكتَّاب. كان الخمول والفشل وعدم الانسجام مع الواقع هي الصفات التي وجدتها عند أغلب الكتَّاب. إنهم غريبو الأطوار حالمون تلمس أصابعهم أطراف الماء دون الخوض في الحياة الحقيقية، فقلتُ بأسًى إنّهم مثلي، أنا من تلك السلالة العاجيَّة المُسالمة. بعد ذلك كان تأثير الأعمال الفنيَّة. وكان ديستوفسكي له التأثير العاصف على ذوقي الجمالي. كان اضطرابه وتعثر شخصياته ومرضها واللاشكل المُهيمن على رواياته من الأمور التي وضعتُ عليها نظرة جمالية في الفنّ مفادها التطرُّف والحدّة والنزاهة. ومن الطريف هنا طالما جاء ذكر ديستوفسكي هو الإشارة إلى ما توصف به أعماله الروائية بأنّها أعمال غارقة في نزعتها الشكلية كما توصف أعمال جويس. الحقيقة أنّ المعسكر الآخر هو الذي ينتمي إلى النزعة الشكليّة الجامدة، على سبيل المثال كونديرا في «النكتة» ونجيب محفوظ في «ميرامار» أمّا «عوليس» أو «الأبله» فهي خالية تمامًا من النزعة الشكلية. أتصوّر أنّ الفرق بين كتَّاب كلاسيكيّين مثل نجيب محفوظ وتولستوي وكونديرا من جهة وبين كتَّاب طليعيّين مثل ديستوفسكي وجويس وهرمان هيسه من جهة أخرى هو أنّ الكاتب الكلاسيكي يملك تصميمًا مسبقًا لشكل روايته، وعندما ينطلق في تنفيذ الشكل لا يعوقه شيء عن الإنجاز. في «ميرامار» نستطيع منذ البداية الحدس بالبناء على مدى الرواية، خمس شخصيات روائية ببطاقات درامية صارمة، وخمس وجهات نظر بتتابع لا يختلّ، هكذا «النكتة» لدى كونديرا، أيّ أنّ الكاتب هنا يملك زمام كتابته، بعكس ديستوفسكي الذي تملكه الكتابة نفسها، فيصبح عرضة للأهواء الفنيَّة والمفاجآت التي مهما كانت خبرة القارئ لا يستطيع الحدس بها. عند جويس وديستوفسكي وبو وكافكا هناك خيانة دائمة للشكل الفنيّ. مَنْ كان يستطيع في القراءة الأولى ل «عوليس» الحدس بخيانة جويس لبطله ستيفن ديدالوس ـ وهو بطله الأثير ـ لحساب بلوم الذي يظهر فجأة بعد الثمانين صفحة الأولى. أتذكّر هنا عبارة كونديرا، وهو الكلاسيكي العائد، بأنّ العقد المُبرم بين الكاتب والقارئ يجب أن يكون واضحًا منذ البداية، أيّ على الكاتب أن يكون مُخلصًا لشكله البنائي، لا سماح بالأهواء، بالاضطرابات، بالخيانات. إنّني أنتمي إلى معسكر الكتَّاب الذين يُبرمون العقود وينقضونها وعلى المُتضرّر اللجوء إلى القضاء الأدبي. أمّا عن القناعات الجمالية، فهي تهتزّ من حين لآخر، إلا أنّني أفضِّل الآن أن أكون على هامش تلك القناعات. أن تكون على هامش ما تنتمي إليه كما يقول بيسوا.

لا أعرف لماذا يناسبني شكل الرواية القصيرة، ربّما لجمعها بين خصائص القصة والرواية. فهذا الشكل يتطلّب الكثافة التعبيرية من جهة، ويعطي فرصة للتدفُّق الموجز ـ إن صحّ التعبير ـ من جهة أخرى. إلى جانب أنّ هناك نماذج عديدة في الرواية القصيرة أثَّرت في عقلي بقوّة، أذكر منها «إخطيَّة» لإميل حبيبي، و«مخلوقات الأشواق الطائرة» لإدوار الخراط، و«يوميّات كتابة قصة» لخوليو كورتاثار. شكل الرواية القصيرة شديد الإحكام، ويتطلّب ـ وهذا أحبّه كثيرًا ـ مهارات كتابية يسمّيها بعضهم بالألعاب الشكلية، وأنا لا أعترض على التسمية طالما لا يُقصد بها أحكام قيّمة. من ضمن المهارات الكتابية، مثلًا، المزج بين هموم القصة الدرامية كما يحكيها الكاتب وبين هموم الكتابة المهنية البحتة التي من المُفترض ألّا يعرضها الكاتب داخل حكايته. لكنّني لن أنفي التفضيل العاطفي المحض الذي يتمثّل في كوني أحبّ هذا الشكل القصير حتّى إذا لم تتوفّر لديّ الحجج الجمالية، ففي النهاية الحجج الجمالية لاحقة على التفضيل العاطفي، إنّنا نختار بالقلب والعاطفة والانفعال، ثم نجد المبرّر العقلي بعد ذلك. شيء أخير دفعني إلى الرواية القصيرة، وهو شيء هامّ. أخوف ما أخافه هو الإطالة على القارئ، إنني أذكِّر نفسي دائمًا بهذا الرُّهَاب، كُنْ غامضًا ولا تكنْ مملًّا. الشيء الوحيد الذي أخافه في الكتابة هو أن تكون مملّة، ولهذا أعتمد المُفاجأة الدرامية في الكتابة، وهي للحقّ أضعف من المُفارَقَة الدرامية. أنتَ مع المُفاجأة أمام موهبة الكاتب العارية من أيّة تحصينات، المُفاجأة في الدراما هي من جنس المُقامَرة، يا صابتْ يا اتنين عُور كما يقول المثل العامي. كافكا كان يعتمد المُفاجأة الدرامية، كذلك ديستوفسكى، والعظيم إدجار بو. القارئ مع المُفاجأة لا يستطيع التنبؤ بشيء، فقط يتلقّى الضربات من الكاتب، لا يملك سوى الانفعال.

الصفحات