أنت هنا

قراءة كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى

ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

كتاب " ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى "، تأليف مصطفى ذكري ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

في الحقيقة لا ينتابني السأم والملل من طغيان الرؤى الكابوسية والعنف والأحلام على أعمالي. أجدُ نفسي دائمًا أثناء الكتابة على مسافة من الكوابيس والأحلام والعنف، لكنّني لا أحقّق ذلك في كلّ مرة، ويبقى وعد التحقيق في مرة لاحقة، لهذا فأنا أشعرُ بالإطراء من وصفكَ لتلك الأعمال بالكابوسية. هذه ليست مُصادرة تصديق على سؤالكَ ـ وربّما اتهامكَ ـ الغرض منها قلب العيوب مزايا بل هي مُصادرة فرحة عميقة مفادها أنّني اقتربتُ خطوة من سلب الحياة عبر الكابوس والعنف والأحلام. سيبدو مؤلمًا لي فقط أنّ نفي الحياة في كتاباتي يخلو من السعادة والتواطؤ وشرف وضع مسمار صغير في نعش ما اصطُلِحَ على تسميته بالإنسانية، إذ يتوق الكاتب أحيانًا إلى شرف وضع المسمار الصغير، ومع هذا يبقى بعيدًا، وتبقي مُحاولاته شيئًا مُنفِّرًا ساقطًا لا يرقى إلى الوصف، وإلى أن تأتي تأكيدات أخرى من غيركَ، فأنا هذا الكاتب المُنفِّر الساقط الذي لا يرقى إلى الوصف.

تمثّل لي الذهنية الرافد المُجاور المُطمئن لما أغرق فيه أحيانًا من العاطفية الشديدة التي يحكمها الشطط. لن أنفي الذهنية عن أعمالي، لكنّني أضعها في سياقها الاستراتيجي بجوار العاطفية، وهما رافدان ليسا في حالة صراع بل في حالة تجاور، في حالة فُصام بالمعنى السيكولوجي للكلمة. إنّني أُفضِّل نزاهة وحدَّة التجاور في العمل الفني على خداع وزيف الصراع. إن مَنْ يكتب في وصف انْفلات القمر من السُحب المتراكمة «والقمر المُقاتل بضوءٍ مسلولٍ جحافلَ براثنها دُفِنَ في أبد الساعات المُتبقية من الليل» يكتب أيضًا بنوع من الفُصام عبارة طويلة مُتكلفة تأتي على لسان بطله بضمير الغائب مفادها التعبير عن فشل في الحب «التغيير الذي تمنّاه ولم ينطق به هو أخذ الأمر هذه المرّة بصفات مناقضة للصفات التي تم عليها في المرات السابقة دون الإيحاء بأنّ الصفات الجديدة تتمتّع بوجاهةٍ تفتقدها الصفات القديمة إلّا إذا خرجتْ منه إيماءة التفضيل خفيَّة مموَّهة تمامًا على وعود التغيير». عبارة غارقة في العاطفية وأخرى مُجاورة غارقة في الذهنية.

أعلنت مرارًا كوني ممارسًا لنوعين فنيين، هما الأدب والسينما، وأنّ هذه الممارسة تجد معناها الجمالي في الإزاحة الدائمة، وأنا في نوع فنيّ، على النوع الآخر، بحيثُ تبقى القيمة في استدعائها لكلّ حيل وألعاب النوع الغائب.

قد يكون حقيقيًّا أنّ ما ينقصني أدبيًّا أقوم بتعويضه سينمائيًّا وأنّ ما ينقصني سينمائيًّا أقوم بتعويضه أدبيًّا. لكنْ دعني أدافع عن موت المشهد الدرامي العظيم في السينما والأدب على حدّ سواء. إنّ موت الدراما لا يتطلّب منّا كصُنَّاع مهنة سوى بعث شبحها الذاوى. إنّ الشظايا والنتف والمِزَق الدرامية ليستْ رفاهية اختيار وطموحًا مُتعجرفًا لبلوغ تجارب قصوى في السينما والأدب بل هي انسجام مع تاريخ الدراما الطويل. مَنْ يستطيع الآن أن يطمح في خلق المشهد المجتمعي المُعقد الذي خلقه بروست في «البحث عن الزمن الضائع» ومَنْ يستطيع التراجع عن موت المشهد الدرامي الذي صنعه أنطونيوني في «بلو أب». إنّنا محكومون بالتجارب القصوى.

الصفحات