كتاب " ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى "، تأليف مصطفى ذكري ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى
تنساب تلك المعزوفة الصارمة دون هفوة واحدة أو نظرة واحدة بين العازفين ـ يسترد أمين أنفاسه اللاهثة ويقول بسخرية ضاحكًا مكمِلًا حديثه:
ـ وممكن بعد ده كلّه ما تتفرجش على الفيلم.
ينظر فريد إلى أمين وهو يخرج من حلقه صوتًا ضعيفًا رصينًا يعني الاستجابة. ثم يعود مرّة أخرى إلى الضرب على الماكينة الحسابية. يقول أمين وهو ينظر ناحية التليفزيون:
ـ شوف كده الفيلم الأجنبي فات منه كتير.
ينظر فريد في ساعة أمامه بغير إبزيم ويقول وهو يخرج دفترًا أسود.
ـ تلاقيه لسه بادئ والأسامي بتتكتب. اطّمن.
أخذ فريد دبّاسة كبيرة الحجم من ركن منضدة عالية بجواره في الحيّز الضيّق بين ثلاجة العرض وضلفة الزجاج، ثم فتح الدفتر الأسود على صفحة أمين ودبّس الورقة الحسابية الصغيرة في طرف الصفحة. تذكّر أمين فقال:
ـ آه.. وعلبة سجاير.
ـ حسبتها. قال أمين باقتضابٍ شديد.
مدّ فريد علبة السجائر على حافّة سطح الثلاجة الأملس، فرفع أمين يده أعلى من رأسه كي يتناول علبة السجائر من فوق حافّة الثلاجة، وهو ينظر من خلال الزجاج بجواره، فيري نُنة وعادل ريتا وبوسي يدخّنون ويضحكون عند سور الحديقة اليابانية. يبعد واحد عن مجال رؤيته، ثم يظهر متواثبًا على صديقيه ضاحكًا. الصديقان يضربانه ضربًا هزليًّا ويشيرانِ له أن ينظر ناحية السوبر ماركت حتّى تهدأ سورته الهزليّة، يقع الصديق على الأسفلت ضاحكًا بصوت عالٍ. يمسك أحد الصديقين رأسه بعنفٍ شديد ويثبّته، والآخَر يُشير إليه ناحية السوبر ماركت. يعود أمين بنظرته إلى فريد، ويعاوده الارتباك والفزع وهو يدفع نظّارته الطبية على عينيه، ويحاول أن يجد شيئًا يتحدّث فيه كي تطول إقامته داخل السوبر ماركت أطول مدّة ممكنة، يفتح أمين فمه، ويهمّ بالقول فيقول فريد بهدوءِ حكيمٍ بوذيّ:
ـ فيه ناس مستنياك برّه.
ينظر فريد إلى الصبي جمال الذي يتحرّك في مساحته الضيقة بدراية كبيرة محضرًا عشاء أمين ويقول:
ـ خلاص يا جمال؟
جمال لا يتفوّه بكلمة، وقد يكون التلميذ أشدَّ قسوة وصرامة من أستاذه. فقط ابتسم ابتسامة دبلوماسية باردة وهو يعطي أمين حقيبة بلاستيكية كبيرة تظهر منها أرغفة الفينو، لا يرى مفرًّا من الخروج.
وقف نُنة وعادل ريتا وبوسي على رصيف الحديقة اليابانية ينظرون إلى أمين بابتسامة هادئة جادّة. تقدّم أمين ناحيتهم بابتسامة مماثلة شديدة الأدب والاحترام. مدّ أمين ذراعه اليمنى للسلام في الهواء وفي يده اليسرى حقيبة العَشاء البلاستيكية تتأرجح بشدّة. أثارت حركة مدّ الذراع ضحكًا خفيفًا من قِبل ننة وعادل ريتا وبوسي وهم ينزلون من فوق الرصيف لملاقاة أمين. سلّم عليهم بحرارةٍ شديدةٍ تكفي لأن يكونوا مؤدّبين مهذّبين بعض الشيء، على أقلّ تقديرٍ في زمن التحايا فقط. يتبادلون القُبل الحارّة، وأمين يشدُّ على أيديهم بقوّة. ابتسم نُنة فظهرت في واجهة فمه العلوية ثلاثة أسنان صناعية من معدن أبيض رخيص يميل إلى السواد.
ـ إيه يا أبو أمين.. معدّي كده لا سلام، ولا كلام.. ينفَع كده.. إيه ياعمّ؟!