أنت هنا

قراءة كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى

ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

كتاب " ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى "، تأليف مصطفى ذكري ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 5

خرج من غرفة النوم، وفي يده كوب القهوة نصف الفارغ، والسيجارة في فمه. وهو يعبر الردهة متّجهًا إلى المطبخ، مرّ بيده على رتاج باب الشقة النحاسي؛ ليتأكّد منه بحركة سريعة مدرّبة، بحيث إنّ هذا التأكُّد لن يجعله يتوقّف لحظةً واحدةً. دخل المطبخ ويده تسبق جسده إلى مفتاح النور الكهربائي، أشعله بسرعة، وأخذ كنكة القهوة المعلّقة ناحية الحوض، وبدأ في صنع القهوة، ثم عاد إلى باب الشقّة الخارجي، وفي هذه المرّة مرّ بيده على الرتاجينِ النحاسيينِ السميكينِ أسفل الباب وأعلاه، وبرغم التأكُّد من إغلاقهما، فهذا لم يمنعه أن يجذب الباب إليه، وبكلتا يدَيه وبحركة عنيفة مكتومة.

بوجه متوتّرٍ، فتح أمين باب غرفة المكتب على مِصراعَيه بشدّة ظاهرة وتحسّس بيده في توجُّسٍ مقبس النور بجوار كتف الباب، وأشعله بسرعة، ثم نظر بالخوف والتوجّس أنفسهما خلف مصراع الباب فلم يجد أحدًا. الغرفة أنيقة، مرتّبة بعنايةٍ شديدة. صفوف الكتب تغطّي معظم الجدران، وفي الحيّز الضيّق بين الحائط والمكتب يوجد كرسي جلدي، وعلى حافّة أحد رفوف المكتبة تتعلّق أباجورة هوائيّة، يسقط بيت الضوء منها مباشرة على سطح المكتب الكبير المغطّى ببعض الكتب المرتبة والمجلّات. بجوار المكتب منضدةٌ رخاميةٌ منخفضة قليلًا، عليها عددٌ من فناجين القهوة الفارغة وعلبة سجائر مارلبورو حمراء، وكوب ماء واسع الفوّهة، ومنفضة سجائر ضخمة بها أعقابٌ كثيرة. وأخذ أمين نفَسًا من سيجارته، واتّجه إلى النافذة المغلقة، وفتح زجاجها، ودفع شيشها بيده للخارج، ثم مسك بكلتا يدَيه السياج الحديدي والسيجارة في فمه. شدّ بقبضتَيه السياج إليه، ونفخ دُخَان سيجارته بغضب.

أغلق زجاج النافذة، وضغط على المقبض بقوّة وهو يضغط على إحدى عينَيه من أثر الدخَان الصاعد إليها. مرّ بأصابعه على أزرار التكييف بجوار النافذة، ثمّ اتّجه ناحية أحد الرفوف، الرف عليه مجموعةٌ كبيرةٌ من كعوب شرائط الفيديو، ومكتوبٌ على كلّ كعبٍ ببنطٍ أسودَ سميكٍ، اسمُ الفيلم. دفع النظارة الطبية على عينَيه، وقرّب وجهه كثيرًا من كعوب شرائط الفيديو، ومرّ بإصبعه على «صرخات وهمسات»، «مشاهد من الحياة الزوجية»، «من خلال زجاج معتم»، «تحت البركان»، «القربان»، «كل هذا الجاز»، حتّى وجد كعبًا خاليًا فسحبه من وسط الشرائط في اضطراب وارتباك شديدين، واتسعت عيناه، ثم التفت في سرعة مباغتة بوليسية الطابع، ناحية الرفّ فوقعت عيناه مباشرة على «غير المنسجمين مع المجتمع» دون غيره من الشرائط.

سحق سيجارته ـ بعد أن أخذ منها أنفاسًا سريعة متلاحقة ـ في منفضة السجائر الزجاجية الضخمة، وضغط على العقب بشدّة وهو يتنحنح بصوتٍ مرتفعٍ جدًّا كأنّه بهذا الصوت ينفي رؤية شريط الفيديو، ويستمدّ طاقةً جنونيةً لمواصلة طقوسه الشاعريّة.

عبَر ردهة الشقّة، واتّجه إلى المطبخ وهو ينظر خلسةً إلى الضوء الضعيف الآتي من النيش الزجاجي. دخل المطبخ وفي لحظةٍ حرجةٍ أدرك القهوة قبل أن تفور، ثمّ صبّها في كوبٍ زجاجي، وتركها على رخامة الحوض، ثم أغلق مفتاح البوتاجاز، ثم تأكّد من أنّ باقي المفاتيح مغلقةٌ وذلك بأن مرّ بأصابعه على صفّ المفاتيح بشكل أفقيّ وبحركة سريعة أكثر من مرّة، ثم أغلق محبس الغاز الطبيعي.

اتّجه بعد ذلك إلى غرفة النوم وفي يده شريط الفيديو الفارغ، نظر وراء باب غرفة النوم، ثم أحضر جهاز الفيديو الموضوع أسفل التليفزيون ووضع فيه الشريط، ثم نظر بتعَب وقنوطٍ إلى إعلان البيبسي وصوت المغنيّة مثل صوت «بوني تايلور» مغنية الهارد روك. وقف أمين في وسط الغرفة حائرًا ووضع يدَيه في وسطه وملامحه تكاد تقترب من البكاء، ثم دفع نظّارته الطبية على عينَيه كأنّه يلتمس العزاء.

الصفحات