كتاب " أصول علمي الإجرام والعقاب "، تأليف د. طلال أبو عفيفة ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب أصول علمي الإجرام والعقاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أصول علمي الإجرام والعقاب
أهمية علم الإجرام ليست في ذاته
إذن، ليست أهمية علم الإجرام في ذاته، بل في صلة هذا العلم بالقانون الجنائي. وإذا كان الأخير هو الفرع الذي يضم صور السلوك الموصوفة الجرائم والعقوبات المقررة لها. فإن علم الإجرام يتولى بالوصف والتفسير تحليل هذه الجرائم لا بوصفها فكرة قانونية مجردة، بل باعتبارها مظاهر سلوك واقعية تخضع للبحث التجريبي التفسيري. ولعلم الإجرام في ذلك نظرياته المعروفة كنظرية الانتقال إلى الفعل الإجرامي وفكرة الخطورة الإجرامية كما يولي علم الإجرام- بمفهومه الواسع- اهتماماً خاصاً برد الفعل الإجرامي في مواجهة الجريمة بهدف مكافحة ظاهرة الإجرام. ومن الإسهامات الهامة في هذا الشأن التدابير الاحترازية وفكرة تفريد الجزاء الجنائي.
بل إن أهمية علم الإجرام لا تقتصر على مجال القانون الجنائي الحالي، بل إنها تتجاوز ذلك لتستشرف آفاقاً جديدة في مجال القانون الجنائي المستقبلي. وهنا بالتحديد يتجلى أثر علم الإجرام على السياسة الجنائية. وفي هذا المعنى تؤكد أعمال الجمعية الدولية لعلم الإجرام مدى تغلغل التجارب العلمية لعلم الإجرام ومعطياته العلمية في توجيه السياسة الجنائية، الأمر الذي يكشف عنه التقدم الحادث في الإحصاءات الجنائية الكاشفة عن خط سير حركة الإجرام، وفي رفع النقاب عن أغوار أشخاص الجناة، وفي تثقيف المساجين، وفي ارتقاء مستوى الخبرة في المسائل الجنائية سواء لتشخيص حالة الجناة أم لرسم الأسلوب الناجح في معاملة كل منهم(22).
رسالة علم الإجرام
ولعلم الإجرام رسالة إنسانية متعددة الجوانب منها(23):
إن علم الإجرام يلقي أضواء جديدة على مكافحة الجريمة قبل أن تقع بالفعل عن طريق إعطاء تفسيرات صحيحة لها. وبدون تفسير ظاهرة الجريمة تفسيراً صحيحاً تتعذر الوقاية منها، والوقاية خير علاج.
إن علم الإجرام يلقي أضواء كثيرة على أوجه جديدة للإصلاح الاجتماعي لا يمكن الوصول إليها إلا عن هذا الطريق، وذلك عندما يوضح جذور الجريمة في الأسرة، وفي القيم الاجتماعية السائدة، وفي أثر البيئة الخارجية، وفي الظروف الاقتصادية والتربوية، وأيضاً في الدوافع الداخلية الكامنة في نفس الجاني.
وبالتالي، فإن علم الإجرام يلقى أضواء هامة على سياسة التشريع العقابي، بالإضافة إلى أنظمة السجون وما يرتبط بها من مشكلات دقيقة، ناهيك بسياسة التشريع الاقتصادي والاجتماعي بوجه عام.
إن علم الإجرام يؤدي إلى فهم أكثر عمقاً للإنسان في غرائزه وميوله ونزعاته واندفاعه وسقطاته، وكل ما يؤدي إلى المزيد من فهم الإنسان، يؤدي خدمات عظمى لإسعاده وتخفيف ويلاته.
إن علم الإجرام يفتح آفاقاً جديدة لمعاملة الجناة، وسبلاً جديدة لتصنيفهم ولتفريدهم، سواء أكان التفريد تشريعياً، أم قضائياً، أم إدارياً، بما يتفق مع حالة كل واحد منهم وبواعث جريمته، وقابليته للإصلاح عن طريق العقاب، أو عن طريق مجرد التهديد بالعقاب، بالإضافة إلى نوع تدابير الوقاية وحسن اختيارها بما يلائم حالة كل منهم.
أخيراً، فإن علم الإجرام هو الطريق الوضعي الذي بدّد الكثير من أخطاء النظريات المتطرفة في العقاب، ومن الأوهام البراقة التي طالما ضلّلت خطى التشريع فيما سبق، مثل المبالغة في وظيفة الردع العام أو الخاص، النابعة من المبالغة في تقدير حرية اختيار الجناة، فهو الطريق ليس فقط إلى العقوبة الناجحة، بل أيضاً إلى العقوبة العادلة، والتوفيق بين منفعة العقوبة وعدالتها هو أثمن ما ينبغي أن يصبو إليه أي تشريع عقابي ناجح.