كتاب " أصول علمي الإجرام والعقاب "، تأليف د. طلال أبو عفيفة ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب أصول علمي الإجرام والعقاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أصول علمي الإجرام والعقاب
الفصل الثالث
موضوع علم الإجرام
الجريمة ليست حركة مجهولة المصدر، ولكنها سلوك إجرامي يقوم به الإنسان. ولا يمكن لعالم أو باحث أن يتناول بالدراسة فعلاً مجرداً، فهذا أمر يجاوز الطاقة، لاستحالته منطقياً. وإنما السبيل إلى دراسة سلوك بالوصف والتعليل هو دراسته من خلال مرتكبه. لهذا فإن علم الإجرام دائب البحث في موضوعين، هما: الجريمة والمجرم. فقد شغلت الجريمة والمجرم ومازالتا تشغلان اهتمام قانون العقوبات وربما بدرجة أكبر. غير أن معالجته لكليهما تختلف عن معالجة علم الإجرام لهما.
في هذا الفصل نعرض لمفهوم الجريمة في مبحث أول، ومفهوم المجرم في مبحث ثان.
المبحث الأول
الجريمة
حدثت أول جريمة على الأرض عندما قتل قابيل هابيل في أول جريمة عرفها الإنسان. لهذا تمثل الجريمة منذ القدم ظاهرة ضارة وميكروباً خطيراً يصيب كل المجتمعات، القديم منها والحديث، بحيث لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات من الجريمة، باعتبارها مرضاً يصيب الفرد، ومن ثم تنتقل عدواه إلى غيره من الأفراد. لهذا كله فإنه بات من اللازم والضروري لكل المجتمعات أن تضع يدها على الأسباب المؤدية إلى الجريمة من أجل القضاء عليها أو الحد منها كحد أقصى بواسطة الأبحاث والدراسات في شتى الميادين العلمية والطبية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والدينية. ولا يتم ذلك إلا من خلال العلماء والباحثين والمتخصصين في علم الجريمة، وما يقومون به من جهد للوقوف على أسباب السلوك الجرمي. ولم يتوقف البحث عن أسباب الظاهرة قديماً وحديثاً للوقاية منها وعلاجها، فالتقدم الحضاري الذي وصل إليه العالم المتحضر منذ الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر كان ومازال عاجزاً عن القضاء على الجريمة، لكنه يستطيع أن يحد من هذه الظاهرة إلى أقصى درجة ممكنة(43).
والجريمة تمثل من المسؤولية الجزائية جانبها الموضوعي، حين يمثل الجاني جانبها الشخصي. وقد كان جل الاهتمام- قبل ظهور المدرسة الوضعية الايطالية- بالجانب الموضوعي للجريمة، عندما نجحت هذه المدرسة في تحويل الانتباه إلى شخص الجاني والاقتراب بذلك من أرض الواقع في معالجة مشكلة الجريمة. ولكن لا بُد في النهاية لكل مسؤولية من اجتماع الجانبين معاً: الجريمة حتى تكون مصدراً للمسؤولية الجزائية والجاني حتى يكون محلاً لها، فلا يتصور الفصل بينهما في الواقع(44).
وفي كل جريمة، لا بد أن يكون جانٍ ارتكبها، ومجني عليه لحقه الأذى منه. فالجاني هو الشخص الذي يحقق بسلوكه الجريمة، ولذلك فإن كل جريمة لا بد أن يرتكبها شخص مهما كانت الوسائل التي استخدمها في ارتكابها. وكقاعدة عامة لا يتطلب القانون صفة معينة في الجاني أو مرتكب الجريمة. فغالبية قواعد التجريم تخاطب جميع الأفراد الخاضعين لسلطان النص، وبالتالي تتحقق الجريمة من أي فرد مخاطباً بالنص ويكتسب بذلك صفة الجاني. أما المجني عليه فهو الشخص- الطبيعي أو المعنوي- الذي لحق به الأذى من الجريمة. غير أن الجريمة قد تضر بآخرين خلاف المجني عليه، إلا أنه ليس كل متضرر من الجريمة يعتبر مجنياً عليه. ويلاحظ أن هذه التفرقة تنعكس على كثير من جوانب قانون العقوبات والإجراءات الجزائية، ذلك أن المشرع يعطي للمجني عليه حقوقاً لا تثبت للمتضرر، كما قد يمنحه عوامل أخرى تؤثر على قيام الجريمة وعلى مباشرة الدعوى الجزائية المتعلقة بها.
وللجريمة مفهوم في علم الإجرام يختلف عن مفهوم الجريمة في قانون العقوبات، إلا أننا هنا لا بُد من عرض مفهوم الجريمة في قانون العقوبات في مطلب أول، ومفهوم الجريمة في علم الإجرام في مطلب ثان، والجريمة في الشريعة الإسلامية في مطلب ثالث.