كتاب " كان " ، تأليف زياد صلاح ، والذي صدر عن دار موزاييك للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب كان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البندق الفارغ
(هو):
سوف يَهْرب "شاهد" من نشرة الأخبار بعد قليل.. فإلى أين يذهب وهو يشعر بالمزيد من الوحدة.. التي أمستْ في نظره وكأنها ازدحامٌ ذاتيٌّ خانق.
لقد بات يرتدّ إلى داخله أكثر.. فأكثر.. وكأنَّ حياته قد تحوّلتْ إلى بياتٍ عفويٍّ مستديم...
إنّ شعوره بالاغتراب، يتنامى حينما يكون في الزّحام.. وهو يوقن أنّ أبعد النقاط عنه تكمن في داخله.
وليس أدلّ على ذلك من مقولته التي يردّدها دائماً:
"شعوري وأنا أنظر إلى البعيد.. هو شعور من يقترب من نفسه أكثر... وكلّما نظرْتُ إلى النجوم وهي تتلألأ في السماء.. أخال بأنني أقف على رأسي"!
بإمكانه إقناع الوقت، أن يبقى بصحبته لبعض الوقت، في شرفة البيت الناهدة كعينٍ تجحظ من محجرها في وجه السفح الغربي "لجبل التاج".. ولا تملّ التحديق في"شارع المحطّة" بوسط عمّان.. ذلك الوريد النابض في ذراع المدينة القديمة.. الذي يجسّه بعينيه مع كلّ إطلالةٍ من هناك.. حتى يقيس بهما نبض "البلد"...
بينما تتداعى إليه في تلك الشرفة، خيالاتٌ محمّلةٌ بالصور والأصوات.. ربما تعينه على الإفلات من لعنة يومٍ جديدٍ يمرّ به كسابقه دون جدوى.
لكنه سرعان ما يوجّه سؤاله مباشرةً إلى الوقت الذي يجالسه.. ويطلّ وإيّاه على مشاهد بانوراميّةٍ من ذلك المكان الذي يضجّ بالحياة.. ويعجّ بالتفاصيل:
- ترى.. ما هي الجدوى...؟!
كان يحلم دائماً بأن يلتقط أنصاف الحقائق.. ثم يجمع فيما بينها.. ويوزّعها على كلّ من يحتاج إليها ممّن يَشْقون بنظرتهم القاصرة إلى الأشياء.
وهو الذي طالما تمنّى أن يكون هذا هو عمله الوحيد.
كأنَّ عين حاله ترى ما لا يقوله لسانها...!
فيما هو يقف متسائلاً بمرارةٍ، وبحسرةٍ يخالطها الشعور بالإحباط:
- ما جدوى أن ألعب دور البطولة المطلقة في مسلسلٍ طويل.. عنوانه: "البندق الفارغ" ؟!
لمْ يعد يحتمل، أو يدري، كيف يمكنه أن ينتزع من ذاكرته القريبة، ذلك المشهد المروّع، الذي اقتحم عليه وحدته عبر شاشة التلفاز قبل عدّة ساعات:
"رجلٌ معفّرٌ بالتراب.. وكأنه وُلِد من رحم زوبعة.. يقف أمام ركام بيته المهدَّم.. ويحمل بين ذراعيه طفلته الصغيرة.. بلا رأس"
"يا إلهي".. قال في نفسه، وهي تكاد تتخارج عنه.. كما لو أنه في حالة احتضار.. وقد استحال صدره إلى موقدٍ متوهّج.. وقلبه إلى كرةٍ من نار...