كتاب " كان " ، تأليف زياد صلاح ، والذي صدر عن دار موزاييك للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب كان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
السوسنة السوداء
(وعد):
تُرى.. كيف يمكنني أن أقدّم له العزاء؟
وأين أنتَ منّي الآن يا ربيع بلادي.. حتّى أهدي إليه "سوسنةً سوداء"؟
كنتُ أقلّب صفحات الجريدة.. فيما بين اهتمامي الشديد ببعض العناوين..
وقلّة اكتراثي ببعضها الآخر، حينما وقعت عيني فجأةً على أحد المربّعات في صفحة الأموات.
شعرت بأن عيني-بالفعل- سقطت في ذلك المربّع...!
تحت كلمة " نعي" البارزة بخطٍّ أسود عريض، قرأت التعزية المقدّمة من"صِدّيق" والد "مثال" إلى "شاهد" في والده.
أكثر من لقاء جمع بيننا.. دون أن يعرف أحدنا ما هو اسم الآخر...
عندما عرفت مؤخراً بأن اسمه: "شاهد" أحسست بأني سأشاهد وإيّاه فصولاً جديدةً مختلفةً.. ومنفصلةً عمّا مضي من حياتي...
وما أن عرف بدوره أن اسمي هو: "وعد" حتى قال مبتسماً:
- إن في ذلك دعوة مفتوحة للأمل...
لقد أنفقْتُ على لقاءاته العابرة.. كلّ ما في حوزتي من صُدَفٍ نادرة... فماذا أفعل الآن حتّى لا أسمح لحركة الواقع من حولي بأن تحول دون لقاءٍ جديد..
يجمعنا.. ويتيح لي أن أشاركه الحزن ولو على قارعة الطريق.
فكّرتُ أن أهاتفه مواسيةً، لكنّي سرعان ما أدركتُ بأنني لن أستطيع رؤية وجهه عبر الهاتف، كي أحاول أن أمسح عنه الحزن.. وأنفض عن قسماته غبار الدَّفْن.
لطالما كان أبي يردّدُ أمامي:
- لقد كُتِبَ علينا أن نحتاج إلى الحزن أكثر من حاجتنا إلى الفرح.. والموت وحده هو الذي يمنحنا الفرصة الأخيرة.. كي نتوقف عن احتياجنا إلى أيّ شيء.
لماذا ندور حول أنفسنا.. حتّى ونحن نقرُّ بأنَّ الموت يمنحنا فرصة الاستغناء عن خدمات الحياة؟!
لم أعدْ أعرف أين أنا.. ولم يعدْ هنالك فرق بين هناك.. وهنا...!
يمكنني أن أصغي بقلبي إلى نصيحة الغياب الصادقة:
"حينما يعثر أحدكم على نصفه الآخر.. عليه التأكّد من أنه لم يفقد نصفه الأوّل".
أكاد أشتمُّ رائحة الموت..
إنها تزكم روحي.. التي لا بدّ وأن يحين ذلك الوقت.. الذي سوف تتعرقل فيه بحبل الأجل...
فتهوي إلى الأعلى.. باتجاه السماء...