أنت هنا

قراءة كتاب ما وراء الجسد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما وراء الجسر

ما وراء الجسد

كتاب " ما وراء الجسد " ، تأليف ميرفت جمعة ، الذي صدر عن دار موازييك للترجمات والنشر والتوزيع ، نقرأ من اجو

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

الفصل الأول

كنت وحيدة

وحين يكون الانسان وحيداً يمكن لأي شيء أن يحدث، لبؤة جريحة حبست في قفص موحش؛ لا غابات؛ ولا شمس. وحيدة كطفلة منسية بباب المدرسة والوقت ليل؛ كسيدة مسنة تقلّب على نار هامدة ساعاتها الأخيرة في ملجأ. كنت وحيدة دونك، وعلي أن أكمل حصتي المقررة من الحياة؛ لذلك كانت الوحدة شيئاً أتعود عليه؛ كبطانية خشنة باهتة الألوان.

الوحدة يا يوسف كانت تأخذ أشكالاً قاسية؛ تأخذ شكلَ اغترابي في مدينتي، خطوط ظهرت في باطن يدي لم تكن من قبل، تأخذ شكل خثرات في فنجان قهوتي غيرت قصتي، فلماذا حدث كل ذلك ليلة أمس، وكأنك لم تعرف برحلتي الشاقة. كنت قد ارتميت بدير الوحدة كناسكة. قال أحدهم إنني أستغل أنوثتي الطاغية لإغواء أكبر عدد من القلوب، أجمعهم كمن يجمع قطعاً نادرة، ثم عادوا ليقولوا إنني معقدة، ثم قالوا راهبة نسبت نفسها للكنيسة..! لم أكن يا يوسف سوى عاشقة، من رأسي حتى أخمص قدميّ، وحتى ما وراء الجسد، ما وراء القشرة الأرضية، ولم أكن أريد منك شيئاً ولا حتى قبلة. نمت أنا خفيفة بلا ذاكرة ولا بكاء، فلماذا حدث كل ذلك ليلة أمس؟

كم تمنيت ألاّ أستيقظ من هذا السبات، لكن كعسكري يؤدي واجبه في الساعات المقررة فتحت عينيَّ، جلست سلمى على طرف سريري ودسّت أقدامها الصغيرة الباردة داخل غطائي، فانتفضت كقطة بللها المطر، وجلست أنظر إليها بتعجب وهي تتحدث عن مكالمة عرفت منها أخبار صديقها الغادر. وعجبت كيف تحاول بالمهدئات؛ والحديث مع الغرباء والرياضة والتأمل؛ وبكل الطرق الممكنة لكي تنسى، ثم تترصد أخبار حبيبها بهذا الإلحاح.

كان تركيزها في البحث عنه أشد من تأملها لنسيانه. عجبت لهذاالفصام في قلبها، سرعان ما هدأت سلمى داخل فراشي الوثير الذي احتضن مناماً خرافياً، والذي تركته لصالحها، وتوجهت للمطبخ كمن يسير بالنوم، فأنا لا أصحو عادةً قبل أن أغسل وجهي ب (فيروز) وأرتشف أحلامي على مهل، ثم أعلن بداية النهار وأفتح النوافذ. أعتقد أنني لن أفتح النوافذ هذا اليوم كي لا يثير الغبارُ ملح سلمى الذي تنثره كل أربعاء ليطرد الطاقة السلبية.

-اليوم سوف نتدرب على التأمل العميق، سأغيب لساعتين وأعود..!

سألتها وأنا أناولها حفنة من الزعتر البري، ليعطر نكهة شاينا الصباحي:

-هل هي مجدية التمارين يا سلمى، ما زلت تلك المجنونة التي أعرفها، ولا أشعر بتغيرك؟

- دعيني أكشف لك عن واحد من أهم وأخطر أسرار علوم ما وراء الطبيعة.

-اها.

- إن تمرين التأمل سواء أكان بالتركيز على نقطة واحدة أو بإيقاف الدماغ عن التفكير بشكل كامل، قادرة على تكبيل هذا الكائن الذي يسمى العقل وإبعاده عن خط سيره المعتاد.

-وكيف ذلك؟

وضعت كأس الشاي الملتهب جانباً، ونظرت إلي بتمعن.

-حاولي أن تركزي قليلاً وتنظري إلى نفسك، بماذا تفكرين؟

نظرت إلى وجهي في مرآة مكسورة وضعناها عند نافذة المطبخ فكان غريباً علي، واحدة تشبهني، أكبر قليلاً، سمراء مبتسمة أشفقتُ عليها، رأيت يوسف يسيل من أعمق نقطة في وجهي، رأيته مقتولاً ودمعة حاضرة في مقلتي. مربك أن أفعل هذا اليوم تحديداً يا صديقتي، فوجهي خليط من الفرح الذي خلفته أحداث ليلة أمس، مع قليل من الدهشة الممزوجة بالوجع.

منذ سنوات لم أنظر في وجهي عميقاً، بعدك يا يوسف لم يتفرس في عينيَّ أحد، ربما نظروا إلى جسدي، إلى صدري أو انحناءات خاصرتي، إلى طلاء أظافري، ربما، أو إلى خصلات ملونة في شعري؛ أما عيناي فغابة أغمقّ لونها ولم يدخلها أحد. وجدت نفسي كما اعتدتها، وأشفقت لحالها. مع ذلك كل ما قلته كان لأحول الموضوع إلى مزحة:

الصفحات