أنت هنا

قراءة كتاب ما وراء الجسد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما وراء الجسر

ما وراء الجسد

كتاب " ما وراء الجسد " ، تأليف ميرفت جمعة ، الذي صدر عن دار موازييك للترجمات والنشر والتوزيع ، نقرأ من اجو

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

-فأحضروا البنفسج.

-لا يا إيلين، لكن وجد الجنود فتاة خجولة اسمها فيوليت بنفسج، أحضروها له فوقع في حبها فوراً، وتحول بفعل تأثيرها من رجل قاسي القلب، وقور، وعبوس إلى رجل دافئ ولطيف.

-أتدري يا يوسف لم أحب هذه الزهرة تحديداً؟

-لم أعرف أنك لا تحبينها، هيا أخبريني لمَ ؟

-لأنها بلون البنفسج، لوني المفضل.

وفتحت أوراق زهرة الخجل على وسعها، وقلت، وأنا أنظر إليك، متحدية كل جبنك ومراوغتك:

-زهرة البنفسج ترمز للحب الصامت المتأجج يا يوسف.

قلت لي بوجه محمر متلعثماً بشكل طفولي:

-هذه هي المرة الأخيرة التي سترتدين فيها قميصاً بأزرار.

وضحكت أنا لكل تناقضاتك، وأنا أشد قميصي بكلتا يديّ عاصرةً عيونك المتوغلة في العمق. لقد كانت المرة الأولى التي أعرف بها أنك لا تحبني فقط كروح أو كفكرة أو حتى كشبيهة أحد، أنا أثيرك أيضاً، ورغم أنني فصلت طوال حياتي بين الحب والرغبة واعتبرت الرغبة تدنيساً لكل ما هو روحاني، إلاّ أنني أردت امتلاك شهوتك، أن تكون هذه الرغبة الجامحة لي وحدي، أن ألعب بها بأصابعي من بعيد، أردت أن أرى عيونك تلمع لرؤيتي وحين تغار علي، لكن كالبنفسجة كنت أحب أن أثيرك من بعيد.

لا أدري ما بال عينيَّ، هذه ليست دموعي يا يوسف ، أنا فقط أرشح ملح حزني بين الفينة والأخرى ، أو أن الكحل رديء هذه الأيام ، اشتقت إليك كثيراً، غريب كيف أننا نحن البشر نعمى تماماً عند الوقوع في الحب، رغم أن كل قصة عشق مكتوب ببابها لافتة كونية تقول "احذر تلك الدرجة المكسورة بالحب" إلا أننا نصعد عالياً جداً غير ملتفتين للأرض أو للأدراج التي تحت أقدامنا، أنا في حبك رحت أقفز لأكثر من درجة معتقدةً أنني بذلك أقلل احتمالات وصولي لتلك الدرجة المكسورة، وآمن على نفسي من الوقوع حين اكتشفت أن اللافتة خادعة والدرجات سليمة! التعثر يحدث بسبب صعود متسارع، تماماً كما فعلت أنا، وها أنا هنا قربك، أناجيك لأرمم كسور روحي، لقد التقيت بأمك يا يوسف وحدثتني عن الحروب التي اشتعلت في قلبها حين دخلت فلسطين لتسكن قرب قبرك، تأجلت الموافقة على حضور أهلك لما بعد استشهادك بسنة، سنة كانت كافية لتمر مواسم من الحزن الدبق حتى ما عادت تميز الفصول ولا تخصها مواعيد الأعياد فهي لم تعد تصنع كعك العيد بعدك، والسنة كانت كافية ليصاب والدك بجلطة في القلب، عاد على كرسي مدولب تدفعه أمك برأس مرفوع، وكأنك تسندها بشكل غامض، كم سعدت لرؤيتها، أخيراً وجدت بقية لوحتك، كم تشبهك، في كل شيء، طريقة الكلام؛ والنظر؛ حركات اليدين؛ اللمعة في العيون؛ والتفرس في وجهي، تشبهك في كل شيء إلاّ أنها قصيرة وممتلئة، تشعر بالرغبة بالارتماء بحضنها، أذكر أنك قلت لي مرة أنه على الأم أن تكون أماً حقيقية لها هذا الحنان الغامر، دافئة، ممتلئة، ومهملة لشكلها، لكن أنيقة الروح.

هي كما تعرفها إنما روحها صارت جبلاً عالياً, من الصعب أن تصل قمته, وأبوك بخير، ربما الكرسي المدولب يثير حساسيته لكنه بخير، لقد أعطتني أمك هذه الأوراق، ولا أعرف لماذا أنا دونَ البشر, لكن لم أستطع فتحها، أتخيل أن الأحرف على قيد الحياة، أنها تحمل روحك و عبقك و صوتك, الأحرف لها مشاعر وحياة خاصة بها، خفت إن فتحت الأوراق على مرأى من البشر أن يروا سريان الأحرف على جسدي زاحفة عبر عروقي نحو قلبي، لكن أنا سأجد يا يوسف مكاناً مناسباً لأفتح به الأوراق، ليس هنا وليس في حضرتك.

وإلى أن تغيب الشمس سأقرأ لك من صلاة الغائب للطاهر وطّار كاتبك المفضل.

الصفحات