اللون موضوع معقد وهو جزء مهم من خبرتنا الإدراكية الطبيعية للعالم المرئي واللون لا يؤثر في قدرتنا على التمييز بين الأشياء فقط بل وتغير من مزاجنا وأحاسيسنا ويؤثر في خبراتنا الجمالية بشكل يكاد يفوق تأثير أي بُعد آخر يعتمد على حاسة البصر وأي حاسة أخرى.
أنت هنا
قراءة كتاب فلسفة الألوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
فلسفة الألوان
الصفحة رقم: 1
المقدمة
إن الألوان تحيط بنا من كل جانب ونتعايش معها في كل يوم، ونستمتع بجمالها في كل نظرة، ولا نتصور كل ما يحيط بنا بدون ألوان. ولا نتخيل كم تكون عليه صورة هذه الكائنات التي نراها بدون ألوان.
فاللون هو البُعد الإضافي الذي يمنح الفنان معاني لا متناهية للتعبير عن كل شيء جميل يحيط بنا.
واللون يوقظ الإحساس، وينمي الشعور ويبهر النظر وهو إما أن يكو مثير للعاطفة أو مهدئاً للنفس وهو يعتبر جزء مهم في حياتنا الذي من خلاله إذا تأملنا الطبيعة في الصباح ثم الظهيرة نجد الألوان في الصباح فاتحة وفي غاية الجمال المتمثلة في الأشجار والبحار بينما تتلاشى هذه الألوان في الماء تدريجياً. وعند الغروب تنعدم الرؤية تماماً ما عدا انعكاس غروب الشمس على البحر الذي يعطي قرص الشمس أثر الألوان في منتهى الروعة والجمال.
إن الله سبحانه وتعالى أبدع في خلقه، على أكمل وجه في جمال الطبيعة بألوانها الساحرة الخلابة وإبداعه عز وجل في تصوره الجميل بألوان باهرة غاية في النقاوة والصفاء.
تحيط بنا الألوان من كل جانب، ونستمتع بجمالها في كل نظرة، ولا يمكننا أن نتصور أن كل ما يحيط بنا في هذا الكون من أشجار وأنهار وجبال... بدون ألوان.
من أجل ذلك لا بد وأن نتعرف على ماهية اللون ونتعمق في صفاته وخصائصه وتأثيراته لنتمكن من استخدامه بأسلوب جيد في تنفيذ موضوعاتنا الفنية.
الألوان زينة العالم وعالم بلا ألوان عالم ممل وحزين ولكن هل نتصور عالماً بلا ألوان؟ وإن اهتمام الإنسان باللون اهتمام فطري وحين نسعى لملائمته مع ما يحيط به يكون سعينا لبلوغ الأكمل والوصول إلى الأفضل.
فحين يكون لون القميص منسجماً مع لون البدلة. ولون ربطة العنق منسجماً مع لون القميص يكون المظهر متألقاً مع الذوق السليم.
الرسام الذي يختار ألوانه بحسب شعوره الفطري (الذوق) لا يستطيع أن يتحكم بالألوان ولا باللوحة لأن الألوان تخضع لقوانين من الممكن دراستها للاستفادة من مزاياها وبالتالي لتجنب أخطائها فالألوان أداة بيد الرسام ومهندس الديكور والمصور ومصمم الأقمشة والأزياء وفني الطباعة والماكيير على حدٍّ سواء.
حتى فترة قريبة كان اختيار الألوان يعتبر ذوقاً ناجماً عن موهبة طبيعية أو خبرة مكتسبة من التعامل مع الألوان... فالألوان بهجة الحياة.
ماذا يحصل لو أننا نرى العالم بلون واحد أو بالأسود والأبيض؟ سيبدو غير جميل بالتأكيد وممل ويبعث على السأم.
اللون موضوع معقد وهو جزء مهم من خبرتنا الإدراكية الطبيعية للعالم المرئي واللون لا يؤثر في قدرتنا على التمييز بين الأشياء فقط بل وتغير من مزاجنا وأحاسيسنا ويؤثر في خبراتنا الجمالية بشكل يكاد يفوق تأثير أي بُعد آخر يعتمد على حاسة البصر وأي حاسة أخرى.
اللغة العربية مملوءة بتعبيرات ملونة ربما تتعلق برد فعلي فسيولوجي أو نفسي لدى الإنسان فإذا ما ضحك الإنسان ضحكة صفراء فربما كانت الصفراء (العصارة المرارية) تلعب دوراً في هذا النوع من الغضب المكبوت وإذا قيل مثلاً إن هذا الشخص يتطاير الشرار الأحمر من عينيه هذا لأن الدم الذي يزدحم في الرأس ويتأثر به النظر.
وإن الدراسة النظرية للألوان ليس المقصود بها حذف إحساسات وانفعالات الفنان أمام شاعرية هذه الألوان بل إن المقصود منها توجيه هذه الأحاسيس وصقلها وتزويدها بدراسات تحليلية دقيقة.
ولا بد أن نعلم أن أسطح الأشياء ليست لها ألوان ولكن لها خاصية امتصاص بعض إشعاعات الطيف وأن التردد (أي انعكاس) بعضها يقتضي مختلف تأثيرات الضوء الأبيض أو اللون الذي يضيئها فيكتسب الشيء لون الإشعاع الذي يعكسه مع استثناء الأسطح المصقولة التي يمكن اعتبارها أسطحاً عاكسة لكل الإشعاعات المضيئة.
منذ البدء جذب اللون الإنسان البدائي بعدما كان مصاباً بعمى الألوان؛ وأول لون استهواه هو اللون الأبيض، ثم الأخضر، قبل أن يلحظ التناقض الكلي بين اللونين الأبيض والأسود. وبعد تلك المرحلة البدائية (أي ما قبل التاريخ) انغمس الإنسان في لعبة الألوان إلى حد أن الديانات القديمة اعتبرت اللون رمزاً مقدساً، حتى أصبح الأبيض رمزاً للعفة وللطهارة، والأسود للحزن وللموت، والأزرق للوفاء، والأصفر للخبث والحسد، والأحمر للعنف، والأخضر للرجاء. ومن ألوان قوس قزح السبع استخلص الإنسان رقم 7 لحسن الحظ والطالع الجيد. فالجديد الذي أدخله صدفة على علم الألوان ربطه الوثيق بين اللون ورموزه على أساس كونية الألوان، والاهتمام بها لدى كل الشعوب.
والألوان ترافق أو تواكب تطور العلم؛ إذ نلاحظ مدى أهمية اللون في صناعة السيارات أو النسيج، حيث نرى حزمة لونية خارجة على المفهوم التقليدي للألوان، تأخذ في استعمالاتها الشعبية بلاغية متداولة مثل: لون خمري، لون زهر هندي، لون فستقي، أو لون بني محروق، لون زيتي - وكل ذلك يعني أن لا حدود للغة الألوان. والألوان متناقضة ومتزايدة؛ ولو مُزجت أو خُلطت بعضها ببعضها الآخر لحصلنا على لون جديد تماماً. واللون لغة قائمة على نحو مستقل كأن نقول: اللون لغة الديكور، أو لغة البيوت، أو لغة السيارات، أو لغة التطريز. وقد اهتم الأعاجم كثيراً بلغة السجاد، حتى بلغت هذه اللغة مستوى غير مسبوق من الإتقان. ويرمز السجاد الأحمر الذي يُبسَط أو يوضع في المطارات لاستقبال الملوك أو رؤساء الجمهوريات إلى التكريم والاحترام؛ وهي عادة تسود معظم البلدان في العالم.
الدكتور إياد محمد الصقر