أنت هنا

قراءة كتاب من... الى حبيبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من... الى حبيبة

من... الى حبيبة

كتاب " من... الى حبيبة " ، تأليف السيد هاني فحص ، الذي عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2
مقدمة بقلم السيد هاني فحص
 
معالي الشاعر رشيد درباس
 
إن الكتابة النقدية الأكاديمية تتعامل مع النص الأدبـي بحياد وبرودة هي من مستلزمات القول الأكاديمي، وهي سبب اليسر والسهولة في اقتراف النقد، وبسرعة ومن دون عناء كبير.. أما النقد القراءة، فهو كأنه ادعاء بإعادة إنتاج النص أو إعادة تشكيله، ما يعني الدخول الى حريم النص، الى شرايينه وأوردته، وكأنك تتماهى مع الشاعر ثم تتجاوزه، وتقول فيه قولاً موازياً لقوله، الذي قاله قصائد على دفعات، ومسافات، وأنت ملزم أن تقول الكثير وفي كل القصائد، من دون فترة استراحة، بين صفحة وصفحة، أو بين شهقة إبداع وشهقة أخرى في ذات القصيدة أو غيرها، تستثير فيك كل حساسياتك، فيوافيك السعال على مقدار من الشعور بالبرد أو الحمى والجوع والعطش، والندم على فتح أبواب منـزلك لطالبـي الإنصاف من المبدعين.
 
لقد أطلت لأقول بأني ما من مرة كلفت بكتابة نقدية إلا وقبلت بإملاء من مكانة الشاعر أو الكاتب في نفسي ووجداني.. وعندما أنتقل من الشاعر الى ديوانه يبدأ الوجع والتبرم.. وأوجع، بل أجمل من هذا البرم، أنني لا أتوب ولا أنوي التوبة.. وليكتب رشيد درباس ألف ديوان، وأنا مستعد لتقديمها كلها، لعلي أعبر عن عشقي لطرابلس وقلقي عليها أو علينا فيها، من دون أن أتخلى عن أملي بأن تبقى فيحاء، تتخلل نسمات الهواء السارح بين ذاكرتها وحلمها، رائحة الصابون وزهر الليمون ورائحة البحر ورائحة الروح الآتية من التكايا.. ورائحة ماء الزهر من حديقتها في القلمون.
 
حذرني توفيق سلطان من نوايا رشيد درباس، فقلت له: سوف أقرأ الديوان فإن وجدته جميلاً انتحلته، وإلا فسوف أتنصل.. وهنا عاد الاستاذ توفيق عن رغبته في الفتنة وطمأنني بأن ديوان رشيد مثل رشيد فاتن أيضاً.
 
وقرأت.. وصنفت القصائد فاجتمع لدي سبع قصائد سميتها عائلية.. هي شعر رشيد درباس في أسرته، اباً وأماً وبنات، وابناء وحفيدات وأحفادا.. بعضهم توائم.. هذا وقد قرأت رسالة الغفران للمعري العظيم، في أكثر من دراسة، أهمها دراسة العالم عبد الله العلايلي.. وانتهيت من قراءتي الخاصة الى أن أبا العلاء قد نصب نفسه قسيماً بين النار والجنة في الآخرة، فاختار شخصيات معروفة بالتدين والاستقامة ولكن في تكوينها عرقاً شريراً يجعل استقامتها ذريعة أو حيلة لا قناعة، والتقط لها ما يثبت رداءة باطنها وأرسلها الى جهنم، واختار شخصيات أخرى معروفة بسلوك مضطرب وتصدر عنها أفعال اقرب الى الشر، أو هي شريرة، ولكنها محصورة في دائرة خاصة ومردودها شخصي. والتقط في هذه النماذج لحظات تجلت فيها روحية عالية وإيمان عميق وإنسانية راقية فمسح عنها ذنوبها وأرسلها الى الجنة. أنا، بقياس مع الفارق النوعي، بيني وبين أبـي العلاء.. أعتبر.. ولست وحدي.. كل العقلاء يعتبرون ان العلاقة بالرحم طولاً وعرضاً ومن الاعلى الى الأدنى، من مقاييس أو معايير الإيمان، شرط أن تضاف اليه، لتضبطه، العدالة في حق الآخرين، حيث يكتمل حب الأقرب بحب الأبعد، بل وتتساوى الأبعاد.
 
من هنا، أحببت أبن الرومي وأبا الحسن التهامي وهزني وعلمني تفجعهما على فلذات الأكباد، وأحببت المتنبـي أكثر عندما تفجع على أمه.. أما قصيدة الشريف الرضي في رثاء أمه فأنها تأسرني.. وأحببت الخنساء في تفجعها على أخويها، وأحببت المرحوم الشهيد رشيد كرامي الذي ظل مع والدته طفلاً أو صبياً أو رقيقاً، لم يترك في حياته جلسة لوزارة يرأسها، الا مرة عندما أبلغ بمرضها، وأحببت الأمير نوردان سيهانوك، الذي اعتذر عن حضور اجتماع مصيري في الصين بين الحكومة والمعارضة الكمبودية، بسبب مرض والدته.. وأحببت المعري الذي كانت وفاة والدته منعطفاً عميقاً في عقله وحياته.. وتذكرت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، عندما قال متحسراً بعد معركة أحد (إلا عمي حمزة لا نوائح له !) وتذكرت الحسين في كربلاء يقف على جثمان أخيه العباس ويقول: "الآن انكسر ظهري، الآن قلت حيلتي". وعلى جثمان ولده علي الأكبر يقول: "كنت السواد لناظري فعليك يبكي الناظر من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر".

الصفحات