كتاب " من... الى حبيبة " ، تأليف السيد هاني فحص ، الذي عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب من... الى حبيبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
من بعض أو من كثير من اللحظات الشعرية في هذا الديوان، بما فيها من لعب على الحقل الدلالي للمفردة العربية، ومن اختراع شعري للعلاقة بين المفردات، تحكم بأن رشيد درباس كان بإمكانه أن يقفل مكتب المحاماة وينصرف الى الشعر، وقد يجوع، وقد يعذب أسرته بإبداعه، ولكنها ترفع رأسها إذا ما سمعته يتلو قصائده، وتؤجل شكواها الى ليالي السمر ومناسبات الحاجة أو الضرورة المعيشية.. على أن كثيراً مما قاله رشيد في كثير من قصائده، يقول لك بأن رشيداً وصل الى عبقر، ولكنه آثر ان يطل عليها لا أن يقيم فيها، حتى لا تودي به الى سقر.. ولكن من قال ان نعمة الحياة من دون نقمة الفن يمكن أن لا تكون ثقيلة وباهظة !.. ولدي ألف دليل على أن رشيداً لم يحرم من نعمة الشعر التي تلتبس بالنقمة، فيغدو الوجع وهجاً. ومن شواهدي على ما أقول، وعلى ذمتي:
"هما مقلتاك.. مساحة شوق العُباب لنجم مُعَلَقْ، وقوله: "هل الحبر وهم، هل الحبر زئبقْ" من قصيدة الأزرق.
وهذا السؤال الفلسفي المفتوح على الأكوان والأفلاك "أفي الوقت متسع للأوان"
"أَحَّبة رمل تكدر صفو السماء وتعبث في مفردات الهواء" من قصيدة (الدوران)
أما قصيدته (السقيفة).. فلا اعتراض لي على الخلفيات والهموم (السلمية والروحية) الكامنة وراءها.. ولكني قرأتها للأمانة فقط.. مصراً على استبعاد التفاصيل في تجلياتها التاريخية الجارحة.. مستبقياً من القصيدة سؤالها "أيظل تاريخ العشيرة صفحة لا تُقلب؟" وأعاذنا الله من فكر يستقبل الماضي ليستدبر المستقبل.
وفي قصيدته (النورس والشباك) يعيدني الى غيرتي أو حسدي لأهل المدن الساحلية على معاشرتهم للبحر، يتعلمون منه السعة والغنى وجدل السطوح والأعماق، والهدوء الذي يشبه الرتابة ويبرّد الأعصاب واللغة اليومية في الصيف.. والهياج المزبد إيذاناً بالمطر والخصب. وما من شتاء يمر علي إلا وأتمنى أن أقضي ليلة واحدة عاصفة، في حوار مع الزبد ورذاذ الماء المالح يطرق شباكي أو سريري أو قلمي أو دفتري أو شوقي إلى السفر. والنوارس تحط على أرنبة أنفي وتأخذني الى الأفق الذي وراءه أفق وراءه افق، وأغني مع رشيد "النورس رفّة وصل بين السطح وبين القاع"، "أهدى لي البحر جزائره لأعلقها فوق الأجفان"، "أبيات الملح تشق عَروض البحر، وترسو في ميناء الحبر".
وتتكرر من رشيد هذه الملابسة أو الشبهة بين البحر والحبر، وعليه فليس صدفة أن يسمى صاحب "العين" خليلنا مقامات الشعر بحوراً.. تزدان، إن شاء الشعر، بالزحافات والعلل، كما يزدان الوجه الجميل بالحمى أو الخال أو الجرح.. وتصل مع رشيد الى أم كلثوم.. وأنا أحتفظ هنا بسرّي لنفسي، وأقول لأهل العلن في الاستمتاع بالفن، بأن من يضطر الى السر يذوق في الحلاوة حلاوة أخرى، ليست هي حلاوة المعصية، بل هي حلاوة الطاعة الممنوعة، حلاوة الفطرة التي يحرسها القانون بالحرية ولا يستطيع أن يقمعها.. وماذا يأخذ رشيد من (الست). يأخذ قصيدة المشهد ذات البناء الدرامي، أو السامفوني (شمس الأصيل) التي ذهّبت خوص النخيل.. يقول رشيد: "يستعير اللون من قيلولة الشمس الأصيلا.. ناثراً للماء تبراً، كان من قبلُ نخيلاً".
"ثمل اللحن وصار الناي للريح خليلاً.. وتثنى النهر وانساب قواما سلسبيلاً"