كتاب " باب الليل " ، تأليف وحيد الطويلة ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
كلّ شيء يحدث في الحمّام،
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كتاب " باب الليل " ، تأليف وحيد الطويلة ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
كلّ شيء يحدث في الحمّام،
وحيداً إلا من رغبته العارمة في جمع البنات حوله، دائماً اثنتان أو ثلاث، صباحاً ومساءً، يغمز بعينيه ويقول كلاماً حاراً، كأنه إعلان مدفوع الأجر عن فحولته.
يدفع للبنات فواتير أكلهن وشربهن، وهن يعتبرنه صيداً ثميناً جاهزاً في كل وقت.
يلاعبنه ويتركنه بعد أن ملأ جوفهن ودفع فواتيرهن ليخرجن مع آخرين يملئون فروجهن وجيوبهن.
وهو ينعتهن بالغزوات، غزوة ألفة، غزوة درصاف، وغزوة مونيا، وأحياناً غزوة نعيمة.
في لحظة نادرة أنس لها، قال والأسى يركبه إن الوحدة تكاد تأكله وأنه قارب الستين لا طفل ولا أنيس، يقضي نصف وقته في المجمعات الاستهلاكية ينفق نقوده ليشتري أشياء لا يحتاجها، ينفق وقته الفائض عن احتياجاته، يشتري الشيكولاته ويوزعها على البنات كيفما اتفق.
- زعيم في الشيكولاته جداً، فالح فيها.
لم يعد يعنيها أمره، لكنها تحاول أن تطرد حكايتها بحكايته.
وحدها في مقعدها، تنتظر زبونها على طاولتها، تهبط ﺇلى المقهى بعد منتصف النهار بقليل، في انتظار من أنهوا أعمالهم الصباحية ويريدون أن ينعشوا قيلولتهم.
تقبع في الركن ذاته، تقلب عينيها بين الأجانب، وحين تستقر على الطريدة، تقف، تفرد جسمها، ترخي ثنياته ثم تشدها، وهكذا..
لا تذهب للحمّام، تتمشى على مهلها بالكعب العالي، يجعلها تمشي كأنها ترقص، بقوامها غير الطويل غير القصير، بتدويرة واسعة عند خصرها تسلمها لانحناءة أخرى كغيمة واطئة- كما يقول شاعر مصري اسمه عبد المنعم رمضان- فوق عجيزة مرتفعة، ممتلئة مدوّرة، تهبط بالناظر إلى بئر رغبته، سقط عنها بنطالها الجينـز إلى ما قبل منتصف عجيزتها تقريباً، وليمدد الكيلوت أذرعه الرفيعة في وجه العيون، نصف العجيزة الظاهر قدر نصفها المخفي بالتمام والكمال.
تتكئ على حافة الكونتوار، حافة المكان الذي تصنع فيه مشروبات المعازيم، تكسر ساقها، لا تدفع عجيزتها للخلف، مندفعة متعجلة وحدها، منفلتة كأنما تجري من شيء ضرب أسفل بطنها.
تتحدث مع صانع الشاي والقهوة، تسأله أي شيء، تدور برأسها وعجيزتها ثابتة تقلّب عينيها تكتشف الملعب، تعابثه وهي تعابث البعيد ليقوم بالإحماء والتسخين.
ترمي بضاعتها ثم تعود، المشية نفسها، الإيقاع نفسه، وسط مقهى واسع بأعمدة غريبة لا يتسع لها هذا المشهد حتى لا ينكسر الإيقاع، مكتظ بأجانب انتشروا في لهجاتهم ورغباتهم، يأتون فرادى أو جماعات، وفلسطينيون دائمون يأتون فرادى موزعون على طاولتين، يحكون بصوت خفيض، ثم ينسون.
تضحك وتقول: ملجأ الأيتام.
أجانب يأتون باحثين عن قعدة طرية، يصطادون طرائدهم ويمضون.
بائعات هوى تحت أجمل ملبس وأحلى زينة، بعضهن واضح، وبعضهن يلبس قناعه.
مقهى العشاق أحلى من ملجأ الأيتام، تقول نعيمة بصوت يختلط فيه الضحك بالكلام، يقطع ضحكتها كسوف، الأستاذ كسوف، كضوء مارق من باب المقهى ﺇلى طاولتها، يحجل ويرقص كطائر من طيور الشتاء.
يحط بجانبها بعد أن صف جناحيه، ابتسامته تتسع وسلامه يتطاير.. لا أحد يعرف ماذا يعمل، يقولون: يحتال، يغيب عن المقهى كأنه لم يدخله، ويأتيه كأنه لم يبارحه.
في يوم نادر انكسفت فيه الشمس، هدته حيلته، أحضر ورق الألومنيوم المفضض، استلفه من حانوت، واعداً صاحبه بأن يسدد ثمنه سريعاً، صنع نظارات واقية لرؤية الشمس في خجلها وهي مكسوفة من القمر ليراها من يراها في لحظة قد لا تتكرر في حياته، هكذا ردد بقوة.
باع لكل زبائن المقهى بمساعدة نعيمة، النظارات للبنات، والرجال يدفعون.
من ساعتها اكتسب اسمه وشهرته: الأستاذ كسوف، لكنه في الحقيقة ليس كسوفاً من أحد، حين تكون نعيمة في إحدى غزواتها يحط على طاولتك، يلم جناحيه سريعاً، وبوجه المحتال الباسم يسألك أن يشاركك الجلسة، يأخذ كأس شاي على حسابك، وإن أفرطت في الحفاوة وأومأت بطرف حديث، يعاجلك بالقاضية الفنية ويطلب شيشة: أنت باهي... باهي بالحق.