أنت هنا

قراءة كتاب باب الليل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
باب الليل

باب الليل

كتاب " باب الليل " ، تأليف وحيد الطويلة ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
 

كلّ شيء يحدث في الحمّام،

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 10

- الدنيا هنا مقفولة.

أنس لها، إيطالي مطلق بنصف كرش وآثار وسامة، وليست في إيطاليا ذراع فارغة لبنت في الثلاثينيات غير معلقة في ذراع واحد آخر.

حين هبط تونس شدت سمرة البنات خيوط قلبه وأنعشت الأرداف المنطلقة والعجيزات العالية بقايا جسده، وسمراء أو خمرية في إيطاليا باهظة التكاليف.

رتبت له شقته، طبخت له، أرخت جناحاً حين قرأت في بريق عينيه وارتعاشة يديه أنه مغرم، لم تسمح له أن يتذوق عرقها، وإن

هفهفت بالجناح الآخر.

اكترى لها شقة، طبع على خدها قبلة، وسافر بوعد أن يعود قريباً ينهي أوراقها ويطيران معاً.

اشترط عليها ألا تعمل.

يصلها مصروفها، ضعف أجرها في المقهي أو يزيد، إيجار الشقة وأشواق خفيفة، والتليفون بينهما.

الطبع غلاّب، بسرعة نـزلت للشارع، تطوّحت من مقهى لآخر، لم تقنع بما في يدها، والإيطالي بعيد.

تضرب جبينها بكف يدها، تركل الطاولة تكاد تسقطها وتقول كالمجانين: مخ التونسي هكذا، لو فتحوه لن يجدوا خلايا وأعصاباً، سيجدونه محشواً بأوراق نقدية من كل الأنواع والألوان، وإن لم يجدوها فسيجدوا صوراً ضوئية منها.

نـزلت للشارع وتركت ﺃختها في الشقة، أختها الفاتنة التي تأخذ نقودها لتصرفها على زينتها، والتي لم يرها الإيطالي إلا قبل سفره بيومين، حكى لها عن الجسد في لوحات عصر النهضة الإيطالي، فحدثته عن الجسد في الشارع التونسي، برم معها المدينة بحثاً عن هدايا تذكارية في غياب نعيمة التي كانت في الحمام العمومي تجهز نفسها لسهرة أخيرة قبل سفره.

تعمل، وإن أكلها فخذها تسد جوعه، وتقتسم مع أختها النقود.

الغيبة طالت، والنقود تصل من إيطاليا في الموعد، ظله يبتعد، تكاد تنسى ملامحه لولا انعكاس لمعة الليرة على وجهها، وحلمها بالسفر وتغيير حياتها.

حين طلبها في تليفون الشقة- لم تكن الهواتف المحمولة قد اخترعت بعد- كانت أختها هناك تخبره بصوت متردد أن نعيمة عادت للعمل، وتطلب منه بقوة أن يسامحها.

مرة ثانية وثالثة، والخيط الذي يرتخي بينه وبين نعيمة يشتد يقوى بينه وبين أختها، في المرة العاشرة قالت له: نعيمة عادت لصاحبها.

عبأته بنعومة حتى الفجر، وحين تناثرت شظاياه لملمتها، دعكت رجولته، ودعته أن يبرما الحياة معاً.

- فهمتك من أول نظرة.. نعيمة بنت سوق، بنت الشارع... وأنا... أنا عشقتك.

بسرعة عاد.

الخيوط السوداء دخلت في البيضاء، البكرة تتدحرج بسرعة مخلفة خيوطاً واهية لا تكاد ترى.

حين شاهد نعيمة في المقهى مع صاحبها، لم يترك فرصة لشيء، خرج تائهاً يتأرجح على منحنى، عند أعلى نقطة فيه قبل صابونة الانـزلاق، أخت نعيمة كانت هناك، في أعلى المنتصف أيضاً على مسافة قدم واحدة، على مسافة يد واحدة، زحزحت نفسها بخفة، لعبت بأصابعها، شدته والتقطته، نَفَسه مقطوع بردان، وفي منتصف المنتصف احتضنته، لا شيء ينعش قلباً قدر حضن في لحظة برد الروح، كان جمالها يكشط ضباباً وألماً خفيفاً عن عينيه، وسخونة خصرها تعيد الدم لعروقه ومنتصف حزامه والمناطق المجاورة.

قلب العاشق لا يبرأ، قلب المغرم يبرأ، الأول يحتاج حانة وعاهرة، والثاني يحتاج حضناً وخمرية مغوية بأقل تكلفة.

احتضنته ثالثة وسابعة.

انـزلقا معاً، ثم طارا معاً.

مثل الأفلام الهندية بالضبط، تقول نعيمة، فيلم أمام شاشة عينيها طوال الوقت، معروض على مدار الساعة، وأسئلة تنغزها من كل جوانبها.

لماذا يغير الأوروبـي بوصلته فجأة وهو المعروف عنه أنه لا يكذب مثلنا، ولا يشغل مخه كعادتنا؟

لماذا غدرت بها أختها، لحمها ودمها وفلوسها، لماذا خطفته منها؟

يحدث ذلك بين البنات أحياناً، أما أختها فلا..

الصفحات