أنت هنا

قراءة كتاب باب الليل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
باب الليل

باب الليل

كتاب " باب الليل " ، تأليف وحيد الطويلة ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
 

كلّ شيء يحدث في الحمّام،

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

بابتسامة واسعة مطبوعة على وجهه، كأنه نام ليلة عرياناً، وحين استيقظ وجدها ملصوقة عليه، حلت بسهولة محل ملامحه القديمة، ومن يومها لا يفارقها ولا تفارقه، وسيلته في الحياة والطلب.

وحين ضاقت به الحال وهربت الشمس من القمر، فتح جرابه وأخرج حيلة جديدة، عمل قارئاً للكف والفنجان بمساعدة نعيمة، تقص عليه حكايات الزبائن وتعطيه طرف الخيط، وهو يرد لها الجميل، إذ يمد طرف أحدهم أو يلقيه جاهزاً في حجرها، ويلهف نصيبه من الناحيتين.

يفعل ذلك بأناقة كأنه لورد قديم، أحياناً ينقل أرقام الهواتف بين المشتاقين والمشتاقات، لكنها حين تتكدس، يعرض خدماته من تلقاء نفسه بصوت خفيض، ويوفق رأسين في الحلال بابتسامة مرسومة من قبل.

ونعيمه تحبه، تلقف حكاياته لتخبئ حكايتها.

لا تقلق، قلت لك من قبل، إن أوجعتك شهواتك وحضرت في وقت لا تحضر فيه البنات عادة، ستجد نعيمة في انتظارك في ثكنتها المعتادة، نعيمة جرينتش، جاءت من بعيد من أقصى الشمال، بشهادة متوسطة لا تستطيع أن تمنحها عملاً ولا شربة ماء في مدينة يتسكع فيها حاصلون على شهادة أعلى، ويدوخ فيها كثيرون بحثاً عن أية فرصة.

المدينة فرصة دائمًا، والأهل في ضيق، والعمل هناك مستحيل، والعريس بعيد.

وراء رزقها صعدت، معها شهادة بكالوريا وعجيزة وبعض فرنسية وإيطالية.. وعجيزة محترمة مع بكالوريا تكفيان بالكاد للعمل في مقهى.

عملت نادلة، والبنت في المقهى مطلوبة تناغي وتناجي.

في المقاهي تسقط الحواجز، كلمة من هنا، ويد تصدم بعفوية أي جزء بارز أو ليّن، هدية من هنا وسهرة في علبة ليلية مع الصديقات تريح الأعصاب، والجو العام يسحبها من شواطئ براءتها بقوة.

في البداية كانت تتفرج، تشاهد ما يجري دون أن تشارك سوى بالضحك الخفيف، كان يكفيها أن تنقل رقم هاتف من زبون لزبونة، وتحاول أن تزيد في إيرادها كي تكفي مئونة العيش.

في البداية كانت تخشى أن تخلع سروالها، كله على الناشف وتعود لحجرتها، لكنها بعد أن جرفها التيار وتعرفت على ماء الآخرين ونقودهم صارت تنساه في مكان قد لا تعود ﺇليه.

تبيت في فراشها وحدها، أحياناً مع أختها التي تكمل تعليمها الجامعي على حس نعيمة وفلوسها، تنام في المدينة الجامعية، تقضي عندها ليلتي العطلة السبت والأحد، وتأخذ نصف ما في جيبها.

كان عليها أن تساعد ﺃختها، تعطيها ما حرمت منه، وأن تساعد أخاها الذي ربت طويلاً عليها، قبلها ونـزل ليعمل.

- أنت تعبانة في عرقك، لك وحدك، كان يجب ﺃن أعطيك أنا وأنا سأعمل.

أختها مغرمة بالمدينة، ونعيمة مدعوكة في مقاهيها ومآقيها، من مقهى لآخر ومن فخذ لأخرى، يأكل عليها أجرها أصحاب المقاهي أو يماطلون فتبحث عن غيره، عن فرصة أوسع.

تعوّدت على المقهى، وتعوّد الشارع عليها.

في الطريق بين مقهى وآخر تعثرت بإيطالي طيب، في منتصف الخمسينيات، وهي في أول الثلاثينيات، اكتشف أنه نسيَ محفظته بعد أن شرب قهوته، بشت في وجهه وأمهلته لليوم التالي.

حين عاد ليدفع مست بيدها صدرها العالي:

- ضيفناك على حسابنا.

وأصرت.

علق خفيفاً بها، بمجاملتها ولطفها، هذه مدينة لا يدفع فيها أحد لأحد لوجه الله والمحبة، ولو في الأعياد الوطنية.

الإيطاليون والفرنسيون تحديداً يروحون ويجيئون دائماً، الشاطئ قريب والشهوة كامنة، الحنين متقد واللغة مشتركة.

والحب يحتاج للغة، وحتى إن لم يكن موجوداً، فالغرام وإخوته يحتاجونها، تفتح الباب وتضيء القنديل.

الجسد سيد اللعبة واللون الخمري بوابته، والعجيزات بطاقته، وبنات محتاجات يعملن في مقاه غالباً، يلقِّطن أرزاقهن، يضعطن على أمعائهن بقسوة زائدة، يعصرنها كصائمي الدهر ويدخرن ما استطعن من نقود للمظاهر، يلبسن ويمنحن أنفسهن مظهراً براقاً وعافية وفيرة.

والزواج بعيد- نصف البنات عوانس- وفرنسي ﺃو إيطالي في الخمسين فرصة يجب أن تطبق عليها بما منحتها الطبيعة كي تستطيع أن تطفو على سطح الدنيا.. بلاد جميلة غير هذه البلاد البليدة، وفلوس ومعاش للعمر وتأمين للمستقبل والصحة، حتى ولو استمر سنة واحدة.

الصفحات