أنت هنا

قراءة كتاب المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

كتاب " المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث " ، تأليف عبد الواحد ابن ياسر ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 6

ولقد صادف المسلمون في مراحل تعرفهم على التراث اليوناني في العصور الإسلامية الذهبية، قمم الروائع المأساوية، وظلت الترجمة العربية القديمة لكتاب "فن الشعر" لـ(أرسطو)، إحدى أهم الترجمات المعتمدة في الدراسات الهيلينية في أوروبا حتى منتصف القرن التاسع عشر. ومع ذلك، فإن المترجمين العرب والمسلمين الذين أفاضوا في ترجمة النصوص الفلسفية وشرحها، لم يجدوا ضرورة لترجمة ولو بيت شعري واحد لـ(إسخيلوس)، أو حوار صغير لـ(سوفوكليس)، أو تأمل لـ(يوريبيديس). وعندما أراد (ابن رشد) أن يترجم كتاب "فن الشعر"، واجهته صعوبة لغوية دقيقة عندما وجد نفسه أمام كلمتي الكوميديا والتراجيديا. وقد خرج من هذا المأزق باستعمال كلمتين تقولان الشيء الكثير، وتدلان دلالة واضحة على اتجاه تفكيره. فقد استعمل كلمة الهجاء للدلالة على الكوميديا، وكلمة المديح للتعبير على التراجيديا[3]. هكذا استبدل الفيلسوف المسلم الكبير صيغا درامية بـأغراض شعرية. ويمكننا أن نستشف من وراء الترجمة المقترحة، شكلا أوليا من أشكال مقاومة المأساة، ومحاولة لطمسها عن طريق توظيف أنماط الثقافة الأصلية وقيمها ومعاييرها.

وعندما اتصل العرب بالثقافة الغربية في العصر الحديث، وبدأوا يتعرفون على الأفكار والفلسفات والقيم الوافدة مع الحملات الاستعمارية على شعوب الشرق، اكتشفوا- من بين ما اكتشفوه- المسرح بمفهومه الغربـي وفي أشكاله الأوروبية. لكنهم، مرة أخرى، لم يتجهوا إلى منابع ذلك المسرح وأصوله، ولم يعيروا آثاره العظيمة أي اهتمام، بل اختاروا أشكاله السفلى والهامشية التي كانت، في منتصف القرن التاسع عشر- لحظة ميلاد المسرح العربـي- آيلة إلى الأفول والزوال. وقد كان "الفصل الساخر" (السكيتش) والهزلية الاجتماعية والميلودراما والمسرحية الغنائية وغيرها، أشكالا لتفادي المأساة، وأنماطا لطمس المأساوية- في إحدى فترات التاريخ العربـي الأكثر مأساوية- وإبعاد تأثيراتها عن أفق المسرح العربـي الناشئ.

تاريخيا، يمكن الحديث عن لحظتين في التاريخ العربـي الإسلامي، ظهرت فيهما ملامح القطيعة التاريخية وعناصر التحول الحضاري الشامل. وتتمثل الأولى في عصر النهضة العربية الإسلامية المبكرة (الحقيقية ربما...)، والتي برزت إرهاصاتها الأولى منذ مطلع القرن الميلادي الثامن، متمثلة في بروز تشكيلات اقتصادية واجتماعية جديدة (التجارة البعيدة المدى، أشكال التراتب الاجتماعي...)، وتكون أنماط خطاب جديدة (التفلسف، علم الكلام، التأليف التاريخي...). أما لحظة الانتقال الثانية، فتتمثل فيما يسمى بعصر النهضة (النهضة الثانية)، مع مطلع القرن التاسع عشر. وقد حمل لواء النهضة الحديثة فئات التجار، والملاك العقاريون وشرائح من ملاك الأرض المتبرجزين (الشاميون والأقليات المسيحية والتركية أولا، ثم الفئات البورجوازية التجارية الجديدة فيما بعد). وكان لا بد أن تظهر أشكال تعبير أدبية جديدة تعبر عن صورة النظام الاجتماعي الناشئ، وعن القيم والأفكار الوافدة التي حملتها صيرورة الحداثة. وضمن هذا السياق ظهرت الرواية التاريخية والمسرحية والأقصوصة والمقالة. كما ظهر المسرحيون الرواد في القرن التاسع عشر، في قلب التجربة التاريخية الجديدة، فكان أغلبهم من الطبقات والشرائح الناشئة المتفائلة والحاملة لطموحات الصعود الطبقي وقيادة المجتمع الجديد.

وإذا كانت الثقافة العربية الإسلامية، في مرحلة النهضة الأولى، لم تعر اهتماما للمأساة ولا للتعبير الدرامي عامة، فإن حركة النهضة الثانية التي ولدت في مناخ الانشطار والتمزق الجماعي والفردي بين القديم والجديد، وفي شروط التأخر التاريخي والاحتلال الأجنبـي، قد وجدت نفسها مدفوعة نحو اكتشاف الأشكال الأدبية الأكثر تعبيرا عن ذلك التمزق والانشطار، وفي مقدمتها التعبير الدرامي. ومن ثم يمكن القول بأن المسرح العربـي الناشئ قد تعرف على قمم التراجيديا الإغريقية، وعلى روائع المسرح الكلاسيكي، فقام جيل المسرحيين الرواد، من أمثال (يعقوب صنوع) و(مارون النقاش) و(محمد عثمان جلال) و(نجيب الحداد) و(أديب إسحق) و(ميخائيل نعيمة) وغيرهم، بترجمة المسرحيات الكلاسيكية الفرنسية، لكل من (راسين) و(كورناي)، ومآسي (شكسبير)، وكذلك فعل رواد الجيل الثاني بعد الحرب الأولى. وفي فترة الستينيات من القرن العشرين، انتقلت تأثيرات "المسرح الجيد" إلى المسرح العربـي، وبذلك يكون قد تعرف- نسبيا وجزئيا- في أقل من قرن من الزمن على العديد من أنماط المسرح الغربـي وتياراته، وفي مقدمتها نمط التأليف التراجيدي، في أشكاله القديمة والكلاسيكية والمعاصرة.

لكن التعرف، هنا، لم يكن يعني التمثل والاستيعاب الحقيقيين لقضايا المسرح الغربـي الفكرية والجمالية، ويعود هذا القصور إلى أسباب تاريخية وفكرية وثقافية، سنقوم بتحليل بعض عناصرها الأساسية في فصول هذا الكتاب.

الصفحات