أنت هنا

قراءة كتاب المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

كتاب " المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث " ، تأليف عبد الواحد ابن ياسر ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 7
ومثلما كانت نشأة المسرح العربـي الوليد أوروبية، كانت أغلب أسئلة رواده بخصوص المسألة الدرامية في ثقافتنا، وكذا محاولات الإجابة عليها تأتيهم من الغرب. فمنذ مطلع القرن التاسع عشر، وضع الاستشراق أسئلته التقليدية حول هوية المسرح العربـي ووجوده ذاته، وعن أسباب عدم معرفة العرب والمسلمين للمسرح في الماضي، وهم أصحاب تراث وحضارة عريقين، ومعجزة لغوية ومثل أعلى أدبـي لا يضاهى. أسئلة وضعها المستشرقون، من ضمن أسئلة أخرى كثيرة مماثلة، وما يزال يطرحها أشباههم هنا وهناك، ضمن رؤية مركزية أوروبية تقوم على المقايسة الحضارية، وقراءة ثقافة بمعايير ثقافة أخرى، وعلى المقارنة اللاتاريخية التي تلغي التعدد وتنفي الاختلاف والمغايرة.
 
 
ومنذ ذلك الوقت، ما فتئ المفكرون والأدباء العرب يجتهدون في إيجاد الإجابات وإبداع التفسيرات التي ظلت في أغلبها تجريدية لا تاريخية، وأحيانا تجزيئية سطحية. لذلك نريد في هذا الكتاب أن نعيد النظر في تلك الأسئلة وفي إجاباتها، وأن نخضعها للنقد والمساءلة بعيدا عن خطاب الهوية الثقافية النرجسي، وشرك النـزعة المركزية الأوروبية على السواء.
 
إن عدم اهتمام أغلب الدارسين والباحثين بمسألة التراجيديا- وبالمسألة الدرامية عموما- يعود لانفلات أسئلة المسرح العربـي الجوهرية من دائرة تفكيرهم. فقد كانت دراسة المسرح، وما تزال، حبيسة التقسيمات المدرسية التقليدية التي تجعل البحث في مجال المسرح اشتغالا أدبيا خالصا أو دراسة تقنية شكلية، وتفصله عن تاريخ الأفكار والأنساق الفلسفية وعن التاريخ الاجتماعي، وتجعل للمسرح جوهرا في ذاته بعيدا عن صيرورة التاريخ والمجتمع. لذلك سنجعل من إشكالية المأساة والمأساوية الرهان الرئيس لهذا العمل[4].
 
وإذا كان الحس المأساوي بالحياة هو جوهر التعبير الدرامي عموما، والمأساة بصفة خاصة، وكان العمل المسرحي العظيم- حتى في صيغته الكوميدية نفسها- هو تعبير عن رؤية مأساوية للعالم، مستترة أو ظاهرة، فهل من الممكن الحديث عن دراما حقيقية بدون رؤية مأساوية أصيلة وحس مأساوي عميق؟ وإذا كان موضوع هذه الرؤية هو المتعالي أو العالم أو الإنسان، فهل استطاع المسرح العربـي أن يعبر- مأساويا- عن رؤية العرب والمسلمين لتاريخهم المحجوز ماضيا وحاضرا، ولذواتهم وللعالم وللمتعالي؟ هم الذين استطاعوا أن ينتجوا أهم نظرية للتاريخ في العصر الوسيط، وأصناف من الفلسفات والمعارف، ظلت تكتسي طابعا إنسانيا حتى فجر النهضة الأوروبية. هل استطاعت الفواجع الحضارية والسياسية وانعكاساتها الوجودية والوجدانية أن تؤدي إلى انبثاق الوعي المأساوي العميق، وبلورة صيغة تراجيدية أصيلة في المسرح العربـي؟ هل استطاع المسرحيون العرب أن يتمثلوا الأعمال المأساوية المكتشفة- بواسطة الترجمة والتعريب والاقتباس والتكييف- بما تقوم عليه من أسس فلسفية وفكرية، وأن يستوعبوا خصائصها الجمالية والفنية؟ ثم ما مفهوم المسرحيين العرب للمأساة وللرؤية المأساوية، وكيف ظهرت تجليات ذلك المفهوم في أعمالهم المسرحية؟...
 
 
تلك بعض من الأسئلة والهموم التي تحرك موضوع هذا الكتاب، وتسكن فكر صاحبه ووجدانه منذ سنوات عديدة. وهي في رأينا أسئلة جوهرية بالنسبة لحاضر المسرح العربـي ومستقبله، حاولنا الإجابة عليها- قدر الإمكان- من خلال قراءة فلسفية نقدية خاصة لنصوص المتن المختار الذي يمتد من بدايات المسرح العربـي الأولى، حتى مشارف السبعينيات من القرن العشرين (1847-1970). وقد نـزعنا في انتقاء تلك النصوص إلى النمذجة والتمثيل، فاتجه اختيارنا إلى أكثرها تعبيرا عن الرؤية المأساوية، سواء في تجلياتها البارزة أو في صيغها الكامنة المستترة...

الصفحات