أنت هنا

قراءة كتاب سرديات ثقافية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سرديات ثقافية

سرديات ثقافية

كتاب " سرديات ثقافية " ، تأليف محمد بو عزة ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

في هذه النماذج الروائية، يقع السرد في صميم النـزاع على استعمالات الماضي، من أجل تسويغ الشرعية (إستراتيجية السلطة)، أو نـزع الشرعية (إستراتيجية المقموع). تتم هذه الإستراتيجية في رواية "دمية النار" بإعادة كتابة قصص الثورة، وإحياء الروايات المنسية لضحايا السلطة المعارضين للقمع، وإسماع الأصوات البديلة، وفي رواية "الساحة الشرفية" بتضمين رسائل ويوميات المعتقلين السياسيين، التي تخترق سرد السلطة، وتفككه كاشفة مزاعمه في نبرة ساخرة تهكمية.

ويبرز هذا الوعي الحفري دور التخييل الروائي في "إعادة كتابة"- بالمعنى التفكيكي ما بعد الكولونيالي- التواريخ المنسية، وتحرير الأصوات المقموعة من حالة الإسكات التي تفرضها القوة. وهذا ما يترتب عنه بالضرورة المنطقية تقويض حالة الهامشية التي تبنى في العلاقة بين المركز والهامش.

وبتحيز هذه الروايات لأنماط السرديات البديلة، يقوم السرد بإعادة تمثيل وضع المهمشين والمقموعين في وجه المهيمنين، بالتوازي مع جعل الأسس الخفية للسلطة مرئية، ثم تفكيك وحدة خطابها، وكشف وظيفتها في مجال إسكات الفرد وقهر المواطن. وهذا ما يشكل تهديدا حقيقيا لخطاب السلطة، أولا من المنظور المهمش للضحايا، وثانيا من التفكيكات الخطابية التي تفرضها أنساق بديلة غير خاضعة للنظام، وثالثا من أشكال التهجين والأسلبة والتذويت. وبذلك تعلن هذه الروايات عن منظور متحيز للإنسان المهمش والمقهور، ولقيمة الحرية.

في مبحث السرد وتمثيل الآخر، نكشف الآثار الخطابية المقترنة بسياسات الغيرية والآخرية التي تعاش في زمنية الاختلاف الثقافي، خاصة تلك التي سادت في نموذج الرواية الحضارية، حيث يخضع تمثيل الآخر من وجهة نظر الذات لمتطلبات النسق الحتمي، صراع الشرق والغرب. غير أن قيمة النموذجين موضع الدراسة، تكمن في انـزياحهما خطابيا وسرديا عن سلطة النسق الحضاري، وبالتالي تقويض سياسات التمثيل في هذا النسق.

تنتج رواية "مصابيح مطفأة" لأحمد الكبيري انـزياحها عن سياسات التمثيل في الرواية الحضارية، بواسطة تقنية الخطاب النقيض، والذي يتخذ في الخطاب السردي، وضع الحكاية المعكوسة. على خلاف الرواية الحضارية التي تحكي رحلة الذات من الجنوب إلى الشمال، فإن "مصابيح مطفأة" تقلب هذا المسار، وتحكي عودة الذات من الشمال إلى الجنوب، حيث يتولد نسق جديد كان مهمشا ومغيبا في الرواية الحضارية، يدشن منه السارد مسارا انتهاكيا جديدا، هو استعادة المكان المحلي بوعي الذات. وهذا ما يترتب عنه تحول في سياسات التمثيل، من سياسات الهوية إلى سياسات الاختلاف التي تطال أشكال الرؤية وأساليب الترميز وعمليات التمفصل.

وتتمرد رواية "روائح ماري كلير" للحبيب السالمي على سياسات التمثيل في الرواية الحضارية، حيث تنتهك النسق الفحولي، وتطرح نموذجا إنسانيا. في مقابل سياسات الجنس، تشخص رواية "روائح ماري كلير" علاقة الحب في زمنية الاختلاف الثقافي، خارج نسق "الشفرة الكولونيالية" التي فرضت جمالياتها المانوية على سياسات التمثيل في الرواية الحضارية، ويتركز هذا الانتهاك على تفكيك النسق الفحولي القائم على علاقات الهيمنة الكولونيالية والذكورية. وبتحيزها للبعد الفردي الإنساني في علاقة الحب، تقدم الرواية منظورا ثقافيا، يقوم على أنسنة العلاقات بين المرأة والرجل وبين الثقافات، بدل سياسات الجنس التي تقوم على علاقات القوة. وبذلك تطرح مفهوما حواريا للحياة يعاش في زمنية الاختلاف الثقافي.

في مبحث السرد والقوة، نوضح أن القوة على ممارسة السرد، ذات أهمية قصوى في بناء الذات وتشكيل ملامح الوعي الذاتي، وإعادة تملك القوة، نقصد قوة المعرفة، أي المعرفة بالذات والعالم في سياق محتدم بالصراع وعنف السلطة.

في رواية "ترانيم البردي القديم" لآمال النخيلي، يتموقع دور السرد داخل خطاب الرد بالكتابة على السلطة، وعلى الآخر الكولونيالي، حيث تتشكل وظيفة السرد كقوة رمزية موازية لقانون القوة، سواء قوة السلطة القائمة، أو القوة الكولونيالية الجديدة. ومن ثم يتأسس الخطاب- النقيض على استعادة الماضي ما بعد الكولونيالي، بصفته يمثل لحظة مقاومة مضيئة. هذه الاستعادة تتم في اللحظة التي تتمكن الذات من الاستحواذ على الأرشيف المنسي. ويمكن تأويل تمكن الذات من تفكيك شفرة الأرشيف الخاص بتاريخ قرطاج القديمة، والذي يسعى الآخر الكولونيالي إلى الاستحواذ عليه، على أنه تأكيد مجازي على أهمية امتلاك المعرفة/السلطة لتشكل الوعي. وهذا ما يؤكد الأطروحة ما بعد الكولونيالية بضرورة تملك المعرفة التي تقود إلى اكتساب القوة، وبالتالي التحرر من هيمنة الآخر، وأيضا كوسيلة لاستعادة تاريخ غمره المعيار الثقافي المفروض، وتفكيك النسق الدلالي الكولونيالي، وكشف دوره في مجال إسكات وقهر الموضوع الكولونيالي.

الصفحات