أنت هنا

قراءة كتاب سرديات ثقافية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سرديات ثقافية

سرديات ثقافية

كتاب " سرديات ثقافية " ، تأليف محمد بو عزة ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 8

ستخط السرديات مسارها المنهجي في اتجاه مخالف للنماذج التفسيرية، يعيد الاعتبار لبنية السرد بوصفها محددا لأدبية الخطاب السردي. وهذا ما سوف يمثل- من الناحية التاريخية- مجاوزة راديكالية لنماذج التحليل الخارجية، بإحلال مقاربة بنيوية للأعمال السردية، في إطار مبدأ نسقي موجه للبويطيقا هو استقلال الأدب، وما يفترضه هذا المبدأ من عزل للوظيفة المرجعية، لفائدة مركزية الوظيفة الأدبية. ويتمثل العامل الأساسي في هذا التغيير الجذري- برأي تودوروف- في استلهام البويطيقا للنموذج البنيوي" لن تتغير وضعية النظرية الأدبية الحديثة، إلا في الستينات، والعامل الحاسم لهذا التغيير هو تأثير المنهجية البنيوية، على مجمل العلوم الإنسانية، فبتأثير لفي شتراوس اتخذت الإستراتيجية البنيوية، التي تبلورت في اللسانيات، وانتقلت بفضله إلى الاثنولوجيا، مكانة مرموقة، وبما أن البنيوية تعطي في كل ميدان أهمية للخطاب النظري، فإنها في الدراسة الأدبية ستدعم النظرية على حساب التفسير... هذا التأثير هو الذي سيحدد أيضا الشكل الذي ستعطيه النظرية الأدبية لموضوعها: إنه الخطاب الأدبـي، أعني مجموع البنيات اللفظية التي تعمل في كل عمل أدبـي.[3]"

في هذا السياق الابستيمولوجي الذي يهيمن عليه النموذج اللساني تأسست السرديات، متأثرة في منهجيتها بالإستراتيجية البنيوية، حيث ستقارب موضوع السرد باعتباره خطابا أدبيا، تتحدد بموجبه وظيفة السرديات في استكشاف البنيات اللفظية التي تعمل في كل خطاب سردي، بغض النظر عن نوعه وشكله.

باشتراع هذا الأفق اللساني البنيوي الجديد، دشنت السرديات منظورا جديدا في الوصف، يمكن معاينة إبدالاته الجديدة على مسارين:

- مسار منهجي: يهتم بالمسألة المنهجية في مقتضياتها النظرية وشروطها الابستيمولوجية وإستراتيجيتها التحليلية. تميز بالمقارنة مع المقاربات التفسيرية (الاجتماعية والنفسية والتاريخية) بإقرار منهجية علمية صارمة ودقيقة في معرفة الموضوع الأدبـي، ضمن أفق وضعي يراهن على تحقيق "علمية" التحليل، وذلك في مجال التأكيد على علمية المنهج وشروط بناء النموذج.

لذلك ستخص السرديات نفسها بميزة العلم، وهي تريد بهذه الصفة العلمية "الإحالة على المنظور العام الذي اختاره المحلل، فما عاد هدفه وصف الأثر المفرد وتعيين معناه وإنما هدفه وضع القوانين العامة التي يكون هذا النص النوعي نتاجا لها[4]". ولترسيخ هذه المنهجية العلمية اتخذت السرديات من علم اللسانيات نموذجا مؤسسا للتحليل البنيوي للسرد.

- مسار تحليلي: يتخذ من البحث في "أدبية" الخطاب السردي بؤرة التحليل، بتدشين القطيعة مع التفسيرات الخارجية، وذلك بالتركيز على مكونات الخطاب السردي، وخصائصه الاستطيقية، وتحليل قواعد نسقه وإواليات اشتغاله. هذا التغيير في الموضوع، يستدعي بالضرورة تغييرا في أدوات التحليل، حيث ستستبدل السرديات في إستراتيجيتها التحليلية إجراء التفسير، بإجراء الوصف كفاعلية علمية تتوخى الموضوعية. وتبعا لهذا الإجراء الجديد، سيتركز التحليل على رصد المعطيات النصية (الوحدات، الكلمات، مستويات النص...) التي تسمح بالوصف الموضوعي، واستبعاد كل ما له علاقة بالتأويل (المعنى، المعطيات البيوغرافية..) الذي يقوم على تفسير معنى النصوص بإخضاعها لأنساق تفسيرية مستمدة من التاريخ أو السيكولوجيا أو السوسيولوجيا، وينتهي إلى إدراج النص في نسق خارجي غير النسق الأدبـي.

بطبيعة الحال المساران غير منفصلين، يتداخلان في عملية الوصف ويتكاملان، ويكشفان دور السرديات في إنتاج معرفة جديدة بالموضوع السردي، وفي تغيير نموذج المقاربة. وهذا ما يتوضح من المقولات النظرية التي أسفر عنها نموذج الوصف النسقي الذي تقترحه السرديات[5]، وأهمها التمييز في كل سرد بين مستويين، مستوى القصة التي تمثل متوالية الأحداث وفق نظام التتابع الزمني، ومستوى الخطاب الذي يعني طريقة تمثيل القصة لفظيا، والتمييز بين صور ظهور السارد ووضعياته السردية، ومنظورات التبئير، وأنواع العلاقات بين زمن القصة وزمن السرد، وما يخترقهما من مفارقات زمنية، تحدد إيقاعات زمن السرد.

الصفحات