أنت هنا

قراءة كتاب المساءلة التأديبية للقضاة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المساءلة التأديبية للقضاة

المساءلة التأديبية للقضاة

كتاب " المساءلة التأديبية للقضاة " تأليف أ . شامي يسين .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: يسين شامي
الصفحة رقم: 5

الفرع الأول : المقصود بالتأديب

لكل كيان من الكيانات السياسية أو البشرية طائفة من المصالح الاجتماعية تربط أفراده تستلزم حمايتها بوضع منظومة من القواعد والحلول هدفها الأساسي إقامة النظام باحترام هذه المصالح المشتركة[11] ، و ذلك بوضع جزاءات على أي تجاوز أو إخلال .

ونتيجة لذلك تنشئ هذه القواعد في المجتمعات السياسية ما يعرف بالقانون الجنائي وفي الطوائف الاجتماعية الأخرى ما يعرف بالقانون التأديبي[12].

هذا وجدير بالملاحظة أن لاصطلاح التأديب مفاهيم متنوعة ، ذلك أنه يتميز بصفة الطائفية لانصرافه لتأثيم تصرفات تم ارتكابها ناتجة عن انتهاكات لالتزامات فرضها الانتماء لطائفة معينة ، فنجد التأديب في مجال الدولة حيث يتعرض الموظف للتأديب حين إخلاله بواجباته الوظيفية ، و في مجال القطاع الخاص بموجبه يكون لرب العمل سلطة تأديبية اتجاه عماله حين إخلالهم بمقتضيات سير العمل ، وحتى في مجال النقابات المهنية نجد أن التشريعات خولت لمجالسها التأديبية سلطة مساءلة أعضاءها و توقيع جزاءات تصل إلى حد الفصل والشطب و الإيقاف المهني ، ولو توسعنا في مجال التأديب وجدناه حتى في شؤون الأسرة و الأحوال المدنية ، فنجد أن بعض التشريعات العربية والإسلامية تمنح الزوج حق تأديب الزوجة والولد[13] ، ومن صوره اللجوء للضرب الخفيف .

ونظرا لشمول بعض أنواع التأديب على وسائل مادية : كالضرب في التأديب الأسري ، مما يجعل من مفهوم التأديب متوسعا عن الغاية التي يبتغيها في المجال الوظيفي بصفة عامة ، هذا الأمر جعل من تحديد التسمية الدقيقة أمرا ضروريا .

لذلك يطلق على تأديب أشخاص الوظيفة العامة ونشاط المهن الحرة و العمل الخاص بالقانون التأديبي.

أولا - تعريفه :

لا مراء في أن لمعنى التأديب من دلالة لغة ما قد يخالف نظرة رجال الفقه ، و إذا كان هؤلاء يلجؤون في تعريفهم لمصطلح ما للمعاني اللغوية ـ أولاـ بغرض استنباط روح كل اصطلاح وما يعنيه ، إلا أنّ ذلك لا يعني حتما أنّ معنى الكلمة يظل واحدا في اللغة و الاصطلاح ، و إلا لما أفاض رجال الفقه بدلوهم وتركوا المجال فقط لأهل اللغة .

و حتى يتضح مدلول كلمة معينة ينبغي تأصيلها وتحليلها من وجهة نظر أهل اللغة أولا و قبل كل شيء ، ثم معرفة رأي أهل الفقه فيها ثانيا ، بالإضافة إلى رأي التشريع و القضاء ، و في هذا سنأتي على تعريف التأديب لغة ثم اصطلاحا.

أ - المدلول اللغوي للتأديب:

وردت كلمة التأديب في معنى الأدب ، والذي يتأدب به الأديب من الناس ، وسمي أدبا لأنه يؤدب الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح ، وأدبه فتأدب يعني علمه ، واستعمله الزَجاَجُ في الله عز وجل فقال:وهذا ما أدب الله تعالى به نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،وفلان قد استأدب بمعنى تأدب،والأدب جملة ما ينبغي لدى الصناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي ، وأدب الكاتب.[14]

وقد استعمل هذا المصطلح في حديث ضعيف فيما يُروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال : " أدبني ربي فأحسن تأديببي ."[15]

وترادف كلمة التأديب مفهوم التربية عند قدماء العرب ، وصاروا بعد ذلك يطلقون كلمة الأدب على الخلق الكريم.

التأديب يأتي بمعنى التربية والتهذيب ، وهو الأدب بمفهومه الأخلاقي ،وتأديب الفرد يعني تقويم اعوجاج سلوكه وتزويده بالقيم الأخلاقية ،[16] كما يقصد به العقاب والمجازاة [17].

ب - المدلول الاصطلاحي للتأديب :

اصطلاحا وفي ظِل غياب نص تشريعي يُعرِّف التأديب ؛ فإن الفقه والقضاء الإداريين وجدا صعوبة بالغة في تحديد تعريف دقيق له ، نظرا لتوسع مفهوم التأديب ، ولعل ذلك ما دفع الأستاذ "موريس هوريو" maurice hauriou إلى القول : أن القانون التأديبي يعتبر يتيما يبحث عن والديه بدون جدوى .[18]

وفيما يلي أهم المحاولات لتعريف القانون التأديبي[19]:

يعرفه الأستاذ الفرنسي "جان بيرت دولا جيرسي" jean berthe de la gressaye بأنه : "سلطة لجماعة اجتماعية بأن تعلن بنفسها عقوبات خاصة ضد من يقوم من أعضاءها بتعكير النظام الداخلي

لها أو يقلل من اعتبار الجماعة الاجتماعية في نظر الرأي العام ."[20]

ويرى الأستاذ "هنري نزار" Henri Nezard " : أن كل مجموعة اجتماعية تقوم على مصالح مشتركة يجب أن تحافظ عليها وتحميها لتحقيق أهدافها ورسالتها ، ويتطلب نظامها تعاون أعضاءها، والذي يضمن بقاءها هو قواعد القانون التي تحدد واجبات كل عضو فيها ، وتعاقب على التصرفات الضارة بحياة المجموعة والتي تشكل أساس وجودها ".[21]

أما الأستاذ الفرنسي" ماكس جيبير" Max Gibert ":أن التأديب يهدف إلى معاقبة التصرفات التي تسيء إلى القواعد المفروضة على الشخص ، باعتبار أنه يمارس مهنة معينة و تعاقب على مخالفة القواعد المهنية .[22]

في حين يرى الأستاذ "بوجار" Bujard " : أن التأديب يتعلق بعقاب الاعتداءات على القواعد المتصلة بمصالح المجموعة ، فهو إذن قانون المؤسسة ، ويبدو كمظهر للسلطة التنظيمية للإدارة ."

ويرى بعض الفقه الإنجليزي أن للتأديب معنيين :[23]

المعنى الأول ؛ ويطلق عليه الأسلوب الإيجابي للتأديب أو التأديب البناء ، وهو أشمل في معناه من مجرد التأديب والتقويم ، إذ إنه يهدف إلى بعث مناخ يساهم في رضى العاملين بالاستجابة التلقائية لقواعد ولوائح العمل في مكان العمل ، وهذا الرضى يشيع روح الانضباط ورعاية لوائح العمل ، ويلتزم العاملون أفرادا وجماعات بالمستويات المطلوبة للسلوك ، إذ أنهم يتبعون الواجبات والالتزامات المفروضة عليهم باختيارهم لأنهم راغبون في ذلك وليس لمجرد خشيتهم من نتائج عدم التزامهم بأوامر الرئيس الإداري الذي يشيع المناخ الإيجابي ، وأحيانا يكون بلجوء السلطة الإدارية لأسلوب الحوافز وذلك لبث روح المسؤولية و روح الانضباط اقتناعا لا هيبة .

والمعنى الثاني ؛ ويطلق عليه الأسلوب السلبي للتأديب ،ومن بعض صوره :اللجوء إلى الجزاءات والتهديد حثا للتابعين على إطاعة الأوامر والتقييد بالواجبات والسير وفقها ،وهدفه الأساسي الردع ، وهذه الطريقة تهدف إلى نشر جو الهيبة والخوف في أوساط العاملين ، وبالتالي يؤدي إلى إفقادهم ولاءهم ، و يتجلى من كل هذا انه يجب يكون التأديب بالمعني الإيجابي بهدف الإصلاح والتقويم .

ويرى بعض الفقه المصري : أن نظام التأديب أمر كامن في طبيعة كل نظام اجتماعي ، وهو بهذا الوصف يهدف إلى بسط سلطانه على أي طائفة تسعى إلى تحقيق أهداف معينة أو يربطهم ولاء واحد ، حيث ترتبط بمصالح يجب أن تجمعها غاية تكون مهمتها تحقيقها ، ومدفوعة إلى أن تتخذ إجراءات تسمح لها بكفالة وجودها[24].

أما في الفقه الإسلامي فإن التأديب يقابل التعزير ، والذي يكون عن الأفعال التي تخرج عن نطاق القصاص والحدود و ولايته- التعزير- في الإسلام تكون للخليفة أو من يفوضه في ذلك سواء كان قاضيا ، أو محتسبا ، أو منوطا به ولاية المظالم[25].

ومما هو جدير بالملاحظة أن جل التعريفات الفقهية للتأديب جاءت بصفة ضيقة ، عكس المفهوم الواسع للتأديب ، فنجدها تركز على الموظف العام دون باقي الفئات ـ فكما سبق القول ـ أن التأديب له طابع فئوي هدفه تأثيم تصرفات تم ارتكابها ،وناتج عن انتهاك للالتزامات التي يفرضها الانتماء لطائفة معينة ؛ وبالتالي فإن التأديب يشمل ثلاث فئات كبيرة في المجتمع السياسي وهي :[26]

الوظيفة العامة ، ونشاط المهن الحرة ، والعمل الخاص، وداخل كل قطاع من القطاعات توجد نظم مختلفة للتأديب ؛ ذلك أنه لا يوجد نظام تأديبي يشمل كل الفئات .

ثانيا - النظام التأديبي للقضاة :

القضاء هو عصب الدولة ، ولابد من السهر على أن يسير بصورة مثالية ، ولعل القضاة هم المقصودون من هذا ؛ وعليه فإن النظم القانونية المختلفة رأت أنه كما يجازى القاضي المجد بمختلف العلاوات والترقيات ، فإنه ـ ومن جهة مقابلة ـ لابد من الحرص على عقاب القاضي المخطئ والمقصر خلافا لما يمليه عليه واجبه الوظيفي .

أ – تعريفه :

المسؤولية التأديبية للقاضي هي تلك المسؤولية الناتجة عن إهماله وإخلاله بواجب مراعاة واحترام مقتضيات واجباته الوظيفية[27]، سواء تمثل ذلك الإخلال بامتناع القاضي عن القيام بأفعال وتصرفات نص القانون صراحة على وجوب قيامه بها ، أو جراء إقدامه على القيام بأفعال وتصرفات يحضر القانون القيام بها :كإفشاء السر المهني ، أو ممارسة نيابة انتخابية ، أو القيام بوظيفة عامة دون إخطار وزير العدل ، أو امتلاك مؤسسة ، وما إلى ذلك من واجبات سنأتي على ذكرها بالتفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل .

ب - شروط المساءلة التأديبية للقضاة :

يشترط لمساءلة القاضي تأديبيا ثلاثة شروط :

أن تكون هناك علاقة وظيفية بين القاضي والسلطة القضائية التي يعمل فيها ، بمعنى: أنه يجب لإعمال المساءلة أن يكتسب المعني بها صفة القاضي ، فلا تكون المساءلة إذا عُزل مثلا ، وأن يقع منه إخلال بالتزاماته الوظيفية ،وأن يشكل هذا الإخلال بالالتزامات الوظيفية خطأ تأديبيا، وعليه أُجْمِلَ الشرطان الأخيران في شرط واحد .

1- اكتساب صفة القاضي :

لم تهتم القوانين المنظمة للقضاء وعمل القاضي ـ على الرغم من تعددها ـ بوضع تعريف عام وشامل له ، ومن هنا كان من الضروري أن يجتهد الفقه والقضاء في سبيل الوصول إلى هذا التحديد ؛ ومن هذه التعريفات الفقهية نجد :

القاضي هو الشخص الذي تنظر أمامه الدعوى القضائية ، وهو الذي يتابع سيرها ويصدر الحكم فيها في النهاية أي : بعد إغلاق باب المرافعة ودراسة ملف الدعوى وإصدار القرار [28]

كما يقصد بالقضاة كل من يتولى منصب القضاء ؛ سواء كان قاضيا في المحاكم الابتدائية أو مستشارا في محاكم الاستئناف أو في محكمة النقض .[29]

وقسّم الفقيه الفرنسي" أندريه جولي "[30]القضاء إلى قسمين :

القسم الأول: وهو القضاء الجالس Magistrature Assise ؛ ووظيفته تطبيق القانون ، وسماع المرافعات ، وتحضير الدعوى ، ومراعاة سلامة الإجراءات والحكم ، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لأنهم يباشرون عملهم وهم جلوس.

القسم الثاني : وهو القضاء الواقف Magistrature Debout ؛ ووظيفته تمثيل المجتمع والحكومة أمام المحاكم للدفاع عن مصلحة المجتمع و النظام العام .

وعليه فقد ذهب الفقيه "أندريه جولي" إلى التفرقة بين القضاة و أعضاء النيابة العامة ؛ وذلك حين قال:" يقصد بالقضاة من يكلفون بالفصل في المنازعات، أي إصدار حكم في ادعاءين متعارضين ويقصد بأعضاء النيابة من يكلفون بالتحقيق في الجرائم للوصول باسم المجتمع إلى إدانة المجرمين "[31].

وعلى كل فإن الخضوع للمساءلة التأديبية تشمل أعضاء النيابة وقضاة الحكم ، وبالتالي يخضعون لنفس الإجراءات التأديبية ، ويمثلون أمام نفس الجهة المختصة بتأديب القضاة كافة[32] .

2- الإخلال بالواجبات والالتزامات المفروضة على القضاة :

قد يرتكب القاضي داخل وظيفته أو بمناسبتها أخطاء وظيفية ، وهي تظهر عندما يخالف القاضي في عمله الواجبات الايجابية أو السلبية المفروضة عليه صراحة ، وكذلك عندما يخرج عن مقتضيات العمل ولولم تتضمنها نصوص مكتوبة ، وقد وردت هذه الواجبات في القانون الجزائري من المادة 07 إلى المادة 25 من القانون الأساسي للقضاء ، وكذلك تضمنت مدونة أخلاقيات مهنة القضاء العديد من الواجبات والالتزامات التي كانت في حال مخالفتها تشكل خطأ تأديبيا يوجب المساءلة التأديبية ضد القاضي المخالف ، ويضاف إلى ذلك بعض المراسيم الرئاسية و الوزارية والمنشورات و التعليمات ، وهي تفرض عليه مسلكا أو آخر ، أو تحدد له كيفية التصرف في موضوع أو موضوعات معينة ، والمفروض على القاضي العلم والعمل بكل ذلك . [33]

ويمكن القول أن أي إخلال أو انحراف عن واجبات القاضي التي سنتعرض لها في المطلب الثاني من المبحث الثاني يعتبر خطأ مهنيا ، وقد يكون بسيطا أو جسيما ويسأل عنه القاضي أمام المجلس الأعلى للقضاء و الذي يكيف الخطأ ، ويقرر الإجراء المناسب على النحو الذي سنراه لاحقا .[34]

الصفحات