كتاب " المساءلة التأديبية للقضاة " تأليف أ . شامي يسين .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المساءلة التأديبية للقضاة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

المساءلة التأديبية للقضاة
الفرع الثاني: الهيئة المختصة بتأديب القضاة (السلطة التأديبية ):
إن خصوصية المساءلة التأديبية للقضاة تجعل القاضي في حال مساءلته تأديبيا لا يخضع للجنة متساوية الأعضاء نصفها من القضاة والنصف الآخر من رؤساء المجالس أو المحاكم أو ما شابه ذلك ، مثله مثل الموظف العام -كما سنأتي على ذكره - فليس هناك أخطر من رسالة القضاء ،وعليه فلا عيب أن يكون كل نظام يسير الفئة التي تمثل العدالة في الأرض مميزة وخاصة ، ذلك أن المشرع ومادام أنه حرم على السلطة التنفيذية عزل القضاة بغير الطريق التأديبي فإنه لا ينبغي أن يترك تأديب القضاة بيدها ، حتى تنقطع كل صلة لها به ، ولذلك فإن الدارس للتاريخ القضائي الفرنسي ـ مثلاـ يجد أن المشرع الفرنسي حرص كل الحرص ومنذ القرن التاسع عشر على جعل تأديب القضاة بيد السلطة القضائية نفسها ،حيث بدأ الوضع في ظل قانون 30 أوت سنة 1883 بإناطة الاختصاص بالدعوى التأديبية بمحكمة النقض مشكلة بدوائرها مجتمعة وباعتبارها في هذه الحالة مجلسا أعلى للقضاة، ثم انتهى الوضع ابتداء من دستور 1958 وحتى يومنا هذا بجعل المجلس الأعلى للقضاء المكلف بهذه المهمة ،كما أن الوضع لم ينتهِ عند هذا الحد بل رؤي أنه عند انعقاد هذا المجلس للنظر في الدعوى التأديبية يجب ألا ينعقد برئاسة رئيس الجمهورية وإنما برئاسة رئيس محكمة النقض ، وألا ينعقد ـ كما هو الوضع العادي ـ في قصر الاليزيه ، بل في حرم محكمة النقض ؛ وذلك تخوفا من السلطة التنفيذية ، وتطبيقا لمبدإ استقلال السلطة القضائية وأعضائها .[99] ، وعليه فلا تخصص في المجتمعات البشرية هيئة دستورية للتأديب إلا لمن كان ذا شأن .
وبهذا كانت المساءلة التأديبية القضاة تناط لهم في إطار هيئة دستورية منصوص عليها بموجب الدستور[100]، ومقننة بقانون عضوي ؛ ذلك أن المواثيق الدولية والدساتير والقوانين كلها لا تختلف في أن تسيير شؤون القضاة لا يكون إلا في يد السلطة القضائية ذاتها ، بمعنى : أنهم لا يجب أن يخضعوا بأي حال من الأحوال إلى إحدى السلطتين في حال مسؤوليتهم التأديبية ، وعليه وُضع لهم نظام خاص بالتأديب تضطلع به السلطة القضائية وحدها ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء .
أولا : المجلس الأعلى للقضاء كهيئة دستورية لتأديب القضاة :
يعد المجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية يتجسد فيها مبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ذلك أن الدستور الجزائري رسخ مبدأ الفصل بين السلطات في الدولة وجعل السلطة القضائية مستقلة تمارس عملها في إطار القانون ،واعتبر القاضي مَحميًا من كل أشكال الضغوط والتدخلات ، وأنه لا يخضع إلا للقانون ، لكن الدستور لم يترك القاضي يتصرف حسب ما يشاء ودون رقيب بل جعله خاضعا للقانون ، وهو مسؤول أمام المجلس الأعلى للقضاء عن كيفية أدائه لمهامه القضائية وحده دون سواه ، فهو مخول بمتابعة المسار المهني للقضاة ، ومنها المساءلة التأديبية لهم [101].
أ - تشكيلته ونظام سير عمله :
تختلف تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء في حالتين التشكيلة العادية ، والتي تنعقد برئاسة رئيس الجمهورية أو نائبه وزير العدل والتشكيلة التأديبية ، والتي تنعقد برئاسة الرئيس الأول للمحكمة العليا وهذا بالشكل الأتي :
1- تشكيلته في الحالات العادية :
تتألف تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء[102]حسب المادة 03 من القانون العضوي 04\12 المتضمن تشكيل المجلس الأعلى للقضاء من عشرة )10( قضاة منتخبين يمثلون مختلف القضاة وستة )06( شخصيات يعينهم رئيس الجمهورية من خارج سلك القضاء بحكم الكفاءة ، بالإضافة إلى ممثل الإدارة المركزية لوزارة العدل التي يمثلها المدير المكلف بالتسيير المسار المهني للقضاة دون أن يشارك في المداولات ، والرئيس الأول والنائب العام للمحكمة العليا ، ويرأس المجلس الأعلى للقضاء رئيس الجمهورية[103] ، وينوبه وزير العدل حافظ الأختام[104].
والملاحظ أن تشكيلة المجلس الأعلى قد تغيرت مع تغير الدساتير في الجزائر لتساير مبدأ استقلال السلطة القضائية ، ونحو تسيير القضاة لشؤونهم الخاصة ، لكن دون الوصول إلى الاستقلال التام ، فالدارس لتشكلية المجلس الأعلى للقضاء عبر الدساتير يلفت انتباهه التغيير الدائم في التشكيلة على النحو الآتي :
ففي القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969[105] فإن المجلس كان يترأسه رئيس الدولة ، ويتشكل من وزير العدل حافظ الأختام نائبا للرئيس ، ومدير الشؤون القضائية بوزارة العدل ، ومدير الإدارة العامة لوزارة العدل ، والرئيس الأول للمجلس القضائي الأعلى ، والنائب العام لدى المجلس القضائي الأعلى ، وثلاثة ممثلين للحزب –جبهة التحرير- ، وثلاثة أعضاء من المجلس الشعبي الوطني ، وقاضيين للحكم ، وقاض للنيابة العامة منتخبين من بين قضاة المحاكم ، والجدير بالذكر أن القضاء حينها كان وظيفة من وظائف الدولة وليس سلطة مستقلة .
أما تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 [106] فكان يرأس المجلس الأعلى للقضاء رئيس الجمهورية ، ويتكون من وزير العدل نائبا للرئيس ، والرئيس الأول للمحكمة العليا ، والنائب العام لدى المحكمة العليا ، ونائب رئيس المحكمة العليا ، وثلاثة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية ، ومدير الموظفين والتكوين بوزارة العدل ، وأربعة قضاة للحكم ، وثلاثة قضاة نيابة منتخبين من بين قضاة المجالس القضائية ، وستة قضاة للحكم ، وثلاثة قضاة نيابة منتخبين من بين قضاة المحاكم .
وفي فرنسا فإن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء لم تشذ عن تشكيلة أغلب دول العالم[107] ، فهو يتكون من رئيس الجمهورية رئيسا ، و وزير العدل نائبا ، وثلاثة أعضاء من مـجلس النقض ؛ منهم
واحد من النيابة العامة ، وعضو من مجلس الدولة ، وشخصيتين يختارهما رئيس الجمهورية خارج سلك القضاء [108].
أما في مصر فإن القانون رقم 35 لسنة 1984 المؤرخ في : 27\03 \1984 والمعدل للقانون 46 لسنة 1972 المتضمن قانون السلطة القضائية نص في مادته 77مكرر 1 على أنه : " يشكل مجلس القضاء الأعلى برئاسة رئيس محكمة النقض ، وبعضوية كل من :
· رئيس محكمة استئناف القاهرة .
· النائب العام .
· أقدم اثنين من نواب رئيس محكمة النقض .
· أقدم اثنين من رؤساء محاكم الاستئناف الأخرى .
وعند خلو وظيفة رئيس محكمة النقض أو غيابه أو وجود مانع لديه يحل محله في رياسة المجلس أقدم نوابه ، وفي هذه الحالة ينظم إلى عضوية المجلس أقدم نواب رئيس المحكمة النقض من غير العضوين المشار إليهما في الفقرة السابقة .
وعند خلو وظيفة أحد أعضاء المجلس أو غيابه أو وجود مانع لديه يحل محل النائب العام أقدم نائب عام مساعد ، أو من يقوم مقامه ، ويحل محل رؤساء محاكم الاستئناف من يليهم في الأقدمية من رؤساء محاكم الاستئناف الأخرى ، ويحل محل نواب رئيس محكمة النقض من يليهم في الأقدمية من النواب ." ، ولم يتغير نص المادة وفقا للتعديل الأخير لسنة 2006 [109] .
وعليه فإن النموذج المصري يبقى من أكمل النماذج في المجالس العليا القضائية نظرا للتشكيلة القضائية الكاملة ، فالمجلس الأعلى للهيئات القضائية المصري لا تشوبه شائبة اقتداء بالقضاء المصري الذي قد يكون شبه كامل في مجال الاستقلال ، وحتى بالمقارنة بالنماذج الغربية.
2- تشكيلته التأديبية :
بغرض حماية القاضي ولضمان مقتضيات المحاكمة العادلة في حالة إقامة الدعوى التأديبية ضد القاضي عند تقصيره في القيام بواجباته المهنية فإن المشرع قد جعل تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء تختلف عن التشكيلة العادية المقررة في المادة 03 من القانون العضوي المتضمن تشكيل المجلس الأعلى للقضاء ، إذ استُثنيَ من التشكيلة العادية كل من رئيس الجمهورية ، ووزير العدل حافظ الأختام ، وقرر بموجب المادة 21 من القانون السالف الذكر ترأس الرئيس الأول للمحكمة العليا للمجلس حيث نصت المادة :
" يرأس الرئيس الأول للمحكمة العليا المجلس الأعلى للقضاء عندما يجتمع في تشكيلته التأديبية للفصل في المتابعات التأديبية المتخذة ضد القضاة ".
إلا أنه يحق لوزير العدل تعين ممثل عنه من بين أعضاء الإدارة المركزية لوزارة العدل لإجراء المتابعة الـتأديبية وبهذا الاختصاص فهو يشارك في المناقشات دون المداولات [110].
3 نظام سير عمله :
تم تناول هذا المحور في 05 مواد تعلقت بسير وعمل المجلس وميزانيته [111] ، وطبقا للمادة 12 من القانون العضوي المذكور أنفا يجتمع المجلس الأعلى للقضاء في دورتين عاديتين في السنة ، وله أن يجتمع في دورات استثنائية بناء على استدعاء من الرئيس أو نائبه ، ومن خلال نص المادة يتضح جليا أن المشرع قد حدد صراحة من له حق دعوة المجلس للانعقاد في دورته الاستثنائية والتي أوكلت لرئيس الجمهورية أو وزير العدل.
ولكن السؤال المطروح : هل هذه المادة تعني أنه يمكن انعقاد جلسات استثنائية للتشكيلة التأديبية ؟ ـ وإن صح هذا القول ـ فهل يمكن للرئيس الأول للمحكمة العليا ـ بما أنه رئيس المجلس في الحالة التأديبية ـ الحق في استدعاء التشكيلة التأديبية في دوارات استثنائية ؟.
بمعنى أخر:هل المادة ـ وفي حالة الدورات الاستثنائية ـ تشمل المجلس الأعلى للقضاء في كل جلساته العادية والتأديبية أم تشمل جلسات المجلس في الحالة العادية فقط ؟ .
وفي هذا الصدد يرى بعض الفقه : أن جلسات المجلس في التشكيلة التأديبية يحددها الرئيس الأول للمحكمة العليا باعتباره رئيس المجلس ، وله أن يستدعي لذلك إلى جلسات استثنائية[112] .
كما أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء أو نائبه هو الذي يضبط جدول جلسات الدورات العادية والاستثنائية بعد تحضيره بالاشتراك مع المكتب الدائم للمجلس والمكون من 04 أعضاء ، وهذا خلافا لما كان سائدا من قبل حيث كان تحضير جدول أعمال المجلس الأعلى يقتصر على عضوي السلطة التنفيذية لا غير .
كما أنه لا تصح المداولات إلا إذا حضرها ثلثي (2\3) من أعضاء المجلس على الأقل [113] أي: أن يحضر 13 عضوا على الأقل من أصل 19عضو ، أما قرارات المجلس الأعلى للقضاء فإنها تقوم عل مبدإ الأغلبية ؛ وذلك طبقا لنص المادة 15 [114] من القانون سالف الذكر.
كما أن المتمعن في القانون العضوي سالف الذكر يلاحظ أنه لم ترتب أي إجراءات أو متابعات تأديبية أو جزائية على إفشاء سر المداولات ، واجتماعات المجلس الأعلى للقضاء ، ويجدر التذكير على أن قضاة المجلس الأعلى للقضاء والذين يعتبرون في حالة انتداب في هذه الحالة لا تنطبق عليهم الإجرءات الخاصة بالقضاة لكون بعض أعضاء المجلس خارج سلك القضاء ؛ ولكن ربما تنطبق عليهم الالتزامات المطبقة على أعوان الدولة الملزمين بالسر المهني بصفة عامة .[115]
ب - صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء :
حددت المادة 155 من دستور 1996[116] صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء بتعين القضاة ، ونقلهم ، وسير سلمهم الوظيفي، والسهر على احترام أحكام القانون الأساسي للقضاء ، ورقابة انضباط القضاة ، وطبقا لذلك تم النص على هذه الصلاحيات تفصيلا في الفصل الأول من الباب الثاني من القانون العضوي04\12 المتضمن : تشكيل المجلس الأعلى للقضاء من المادة 18 إلى غاية المادة35 ، إلا أن ما يهمنا في هذه الدراسة المواد المتعلقة بنقل القضاة وتعينهم وترقيتهم والجزء المتعلق برقابة انضباط القضاة .
1- صلاحياته بمتابعة المسار المهني للقضاة :
تتمثل صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في إدارة المسار المهني للقضاة فيما يلي:
*دراسة ملفات المرشحين للتعين في سلك القضاء .
*دراسة اقتراحات وطلبات نقل القضاة والتداول بشأنها أخذا بعين الاعتبار طلبات المعنيين بالأمر وكفاءتهم المهنية ، وأقدميتهم، وحالتهم العائلية ،والأسباب الصحية لهم ولأزواجهم وأطفالهم ،كما يراعي حالات شغور المناصب ، وتنفذ مداولات المجلس بقرار من وزير العدل .
*يختص المجلس بالنظر في ملفات المرشحين للترقية ، ويسهر على احترام شروط الأقدمية وشروط التسجيل في قائمة التأهيل ، وعلى تنقيط وتقسيم القضاة وفقا لما هو محدد في القانون الأساسي للقضاء.
*بالإضافة لذلك يكون للمجلس الفصل في تظلم القضاة حول تسجيل في قائمة التأهيل عقب نشرها،
كما له التداول حول طلبات الاستقالة .
*ويستشار المجلس بشأن قرارات التعيين المباشر والترسيم وفقا للمادة 39 من القانون الأساسي للقضاء والإلحاق طبقا للمواد 75 إلي 80 من القانون السالف الذكر ، والإحالة على الاستيداع وفقا للمواد من 81 إلي 83 من القانون نفسه ، وتمديد فترة الخدمة بعد الإحالة على التقاعد ، وكذلك في حال قرار سحب صفة القاضي الشرفي[117].
2- صلاحياته بمساءلة القضاة تأديبيا :
أُسندت مهمة رقابة انضباط القضاة و تأديبهم بموجب الدستور الجزائري إلى المجلس الأعلى للقضاء [118] ، و عليه تم تناول صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية سالفة الذكر في الفصل الثاني من القانون المتضمن تشكيل المجلس ، وحددت في هذا الفصل كيفيات سير المجلس المُجْتَمِعِ في تشكيلته التأديبية ، وأُعطِيت له صلاحيات الفصل في المتابعات التأديبية المتخذة ضد القضاة الذين أخطأوا ، و التي يباشرها وزير العدل على النحو الذي سيأتي تفصيله وتحليله في الفصل الثاني من هذه الدراسة .
ثانيا - الدور الوزاري في تأديب القضاة وخطورته على استقلال القضاء :
باعتباره عضوا في الحكومة يتولى وزير العدل تنفيذ السياسة العامة المسطرة من قبلها ، وأهم ما يرمي إليه وزير العدل هو ترقية الجهاز القضائي ، والسهر على حسن سيره ،وضمان استقلال السلطة القضائية ، ومن أجل ذلك له عدة سلطات يمنحها له القانون كونه الرئيس الإداري لمرفق القضاء نذكر منها :
أ - سلطة وزير العدل في توجيه الإنذار :
زيادة على العقوبات التي يتعرض لها القاضي من جراء الدعوى التأديبية فإنه يمكن لوزير العدل بحكم سلطة الملائمة التي يتمتع بها أن يوجه إنذارا إلى القاضي في الحالة التي لا يوصف فيها الخطأ بالجسيم دون مباشرة دعوى تأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء ، ودون إعلامه بذلك [119] ، وقد استبدلت العقوبة بالإنذار بعد أن كانت عقوبتا الإنذار والتوبيخ في القانون السابق حسب المادة 100 منه ، وبعد التعديل سنة 2004 أضيفت عقوبة التوبيخ إلى العقوبات من الدرجة الأولى ، والتي لا تكون إلا من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء [120].
في هذا الصدد يتبن لنا : أن توجيه إنذار من رؤساء الجهات القضائية -كما سيأتي ذكره- جائز وأمر طبيعي ، والأمر غير ذلك عندما يتعلق الأمر بوزير العدل الذي ينبغي أن لا يسمح له القانون والدستور ـ أولا ـ بتوجيه إنذار لقاضي الحكم وإن كان القانون يُـجيز ذلك على قاضي النيابة لامتداده الطبيعي لوزير العدل كما يقول بعض الفقه ، لأن القول بغير ذلك فيه مساس بمبدإ الفصل بين السلطات ، ولا حرج في القول : بأنه تَعَدٍّ من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية يجب وقفه.
ب - سلطة وزير العدل في الإيقاف :
لضرورة السير الحسن لمرفق القضاء كان من الجائز السماح للسلطة المخولة بإدارة هذا المرفق ممارسة بعض الصلاحيات التي تكون في إطار المصلحة العامة و التي من بينها : سلطة إيقاف القاضي مؤقتا عن ممارسة نشاطه ، وذلك بسبب أخطاء مهنية أو جزائية يكون قد ارتكبها تؤثر على السير الحسن للقضاء إلى حين الفصل في الدعوى المقامة ضده ، وهذا ما نصت عليه المادة 65 من القانون الأساسي للقضاء [121]حين نصت على أنه : يمكن لوزير العدل إذا بلغه أن قاضيا ارتكب خطأ جسيما سواء تعلق الأمر بالواجبات المهنية أو ارتكاب جريمة من جرائم القانون العام مخلة بشرف المهنة إيقافه عن العمل فورا بعد إعلام مكتب المجلس الأعلى للقضاء إلى غاية الفصل في دعواه التأديبية أو الجزائية ، ونجد أن هذا التعريف للإيقاف هو نفسه الذي عرفه الفقه الفرنسي بأن الإيقاف الذي يتعرض إليه القاضي بأنه ذلك التدبير التحفظي الذي لا يدخل ضمن العقوبات التأديبية والذي يتخذ بسبب بعض الوقائع الخطيرة التي تستوجب المتابعات التأديبية بسبب الفضيحة التي تثيرها ، والتي يتخذ بشأنها في الحال تدبير الإيقاف والذي يتمثل في منع القاضي من ممارسة مهامه إلى غاية الفصل في الدعوى التأديبية ، ولا يمكن أن يتخذ بصورة علنية [122]، وسنتطرق لهذا الموضوع بالتفصيل في الفصل الثاني من هذه الدراسة .
كما تجدر الإشارة أن المادة 71 من القانون الأساسي للقضاء قد منحت رؤساء الجهات القضائية سلطة توجيه الإنذار إلي القضاة التابعين لدائرة اختصاصاتهم في النظامين العادي والإداري ضمن نفس الشروط التي تفرض على وزير العدل في توجيه الإنذار للقضاة ، وهذا ما أخذ به المشرع المصري كذلك حيث فرض وسيلة التنبيه كجزاء عام لمواجهة الخطإ التأديبي اليسير ، وذلك بالنص في المادة 94 من قانون السلطة القضائية على أنه لرئيس المحكمة من تلقاء نفسه أو بناء على قرار الجمعية العامة بها حق تنبيه القضاة إلى ما يقع مخالفة لواجباتهم أو مقتضيات وظائفهم بعد سماع أقوالهم ، ويكون التنبيه شفاهة أو كتابة ، وفي الحالة الأخيرة يبلغ صورة لوزير العدل ....
ولمدير إدارة التفتيش القضائي حق تنبيه الرؤساء بالمحاكم الابتدائية وقضاتها بعد سماع أقوالهم ، وتجدر الإشارة أن هذا الحق في قانون السلطة القضائية المصري السابق رقم 46 لسنة 1972 كان مخولا لوزير العدل وحده .
كما نص المشرع الفرنسي على نفس الإجراءات ، وهذا من خلال استقراء المادة 44 من القانون رقم 127 السابق الذكر [123].
والملاحظ على أن هذه التنبيهات الصادرة عن وزير العدل ورؤساء الجهات القضائية تكتسي طابعا وقائيا أكثر منه جزائيا .
ج – دور وزير العدل في تعيين الرئيس التأديبي للمجلس الأعلى للقضاء :
لعل المادة الأكثر إثارة للجدل في القانون الأساسي للقضاء هي المادة 03\2 من القانون الأساسي للقضاء والتي تنص على أنه " يعين من جهة أخرى بموجب مرسوم رئاسي ، وبناء على اقتراح من وزير العدل ، في المهام التالية
- رئيس المحكمة العليا "
في حين تنص المادة 88 على ما يعد انتقاصا لمبدإ استقلال القضاء في الجزائر ؛ حيث تنص على أنه " يرأس المجلس الأعلى للقضاء الرئيس الأول للمحكمة العليا ، عندما ينعقد كمجلس تأديبي " وبهذا فإن الدارس للمادتين يلاحظ وكأن المشرع يمنح للقضاء استقلالا باليد اليمنى ، ويسحبه باليد اليسرى حيث يثور التساؤل حول الرئيس الأول للمحكمة العليا والذي ـ وحسب المادتين ـ فإن وزير العدل هو الذي يقترح الرئيس الأول للمحكمة العليا ، ويتم تعينه من قبل رئيس الجمهورية ، وذلك دون إشراك المجلس الأعلى للقضاء ـ والذي من المفترض أن يكون صاحب الاختصاص الأصيل في التعيين ـ .
وبالتالي فإنه من الطبيعي؛ بل من المنطقي أن يقترح وزير العدل على رئيس الجمهورية شخص الرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يتلاءم وتصوراته وأفكاره وبرنامجه في تسيير مرفق القضاء.
كما أن المتابعات التأديبية الصادرة عن وزير العدل ضد القضاة توقع الرئيس الأول للمحكمة العليا بين معضلتين وهما سلطة القانون وسلطة وزير العدل ، وهذا ما جعل كثيرا من المتتبعين لقضايا تأديب القضاة يقولون: أن مجلس الدولة هو حامي القاضي ، وليس المجلس الأعلى للقضاء ؛ حيث أن قضاة اليوم يلتجئون لمجلس الدولة لحمايتهم من بطش المجلس الأعلى للقضاء ، وهذا تناقض ما بعده تناقض . [124]