كتاب " المساءلة التأديبية للقضاة " تأليف أ . شامي يسين .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المساءلة التأديبية للقضاة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المساءلة التأديبية للقضاة
الفرع الأول: النظام القانوني للعقوبة التأديبية للقضاة
يختلف الهدف الذي تسعى إليه العقوبة التأديبية بشكل عام تماما عن الغرض الذي تهدف له العقوبة الجزائية في القانون الجنائي ، غير أن هذا الاختلاف لا يمنع العقوبة التأديبية من أن تتأثر بالعقوبة الجنائية في حال تأديب القاضي .[64]
أولا : العقوبة التأديبية للقضاة :
للعقوبة التأديبية نظام قانوني يختلف عن غيرها من النظم القانونية التي تحكم الصور المقاربة لها –كالجزاء الجنائي والعقوبة الإدارية – ولعل هذا الاختلاف هو اختلاف من حيث الهدف ، وعليه فإن المشرع أخضع العقوبات التأديبية لضوابط عديدة نظرا لخطورتها ، فالسلطة المختصة بالتأديب ملزمة بتوقيع الجزاءات التأديبية المنصوص عليها في سلم العقوبات ، ومجبرة على احترام نظام قانوني معين وألا تعرض قرارها التأديبي إلى الإلغاء .[65]
أ - مفهوم العقوبة التأديبية :
اتبع المشرع الجزائري نهج بقية تشريعات الدول الأخرى ؛ فلم يعرف العقوبة التأديبية تاركا ذلك للفقه الذي نوع في تعريفها بحسب اختلاف وجهات النظر التي تبناها كل رأي ، فذهب البعض في تعريفها بالنظر إلى محلها وطبيعتها[66] على أنها جزاء أدبي ومادي في آن واحد ينطوي على عنصر الإيلام الذي يلحق بالقاضي ليس في حياته أو ماله أو حريته شأن العقوبة الجنائية ؛ وإنما تكون في وضعه المهني فقط ، فيؤدي هذا إلى حرمانه من المزايا والحصانات الوظيفية التي يتمتع بها أو من الوظيفة التي يشغلها ، سواء كان ذلك بصفة مؤقتة أو نهائية بسبب مخالفات ذات طبيعة خاصة و هي الأخطاء التأديبية و تتصل اتصالا وثيقا بالعمل الوظيفي ، بحيث يترتب عليها الحرمان أو الإنقاص من الامتيازات المهنية.
فالعقوبة التأديبية بصفة عامة هي وسيلة الإدارة في ردع وإصلاح مرتكبي الأخطاء التأديبية داخل المجتمع الوظيفي بقصد الحفاظ على النظام فيه [67] ، كما تعرف بأنها إجراء تتخذه السلطة المخولة بالتأديب بغية قمع التسيب والتي من شأنها ترتيب نتائج سلبية على حياة الموظف العملية [68] ، فالعقوبة التأديبية بهذا المعنى تقوم على ذات الفلسفة الحديثة التي ترتكز عليها العقوبة الجنائية ، فهي لا تستهدف فقط إيلام القاضي المخطئ ؛ وإنما تستهدف أيضا الإصلاح والتقويم في سبيل تمكين مرفق القضاء من أداء رسالته ، لذلك يجب على السلطة التأديبية عند توقيع العقوبة أن تضع دائما في اعتبارها الإحاطة بمختلف الظروف التي وقع فيها الخطأ ، والتي سمحت أو سهلت للقاضي ارتكابه حتى يمكن علاج أوجه النقص في جهاز القضاء ، وبالتالي حماية القاضي مستقبلا من أوجه الخلل التي قد تعرضه للمساءلة التأديبية .
ب - خصائص العقوبة التأديبية :
يتضح من خلال التعريف السابق أن العقوبة التأديبية تتسم بالطابع القمعي ـ إذا صح التعبير الذي تتسم به العقوبة الجنائية ـ[69] ، والذي يعتبر وسيلة السلطة التأديبية في المحافظة على النظام داخل مرفق القضاء ،كما تتشابه العقوبة التأديبية مع العقوبة الجنائية في أنهما وردتا على سبيل الحصر ؛ فلا عقوبة بغير نص، وبالتالي فالا يجوز للسلطة التأديبية –كما سنرى– توقيع عقوبات أخرى غير العقوبات التي ذكرها المشرع صراحة و إلا كانت العقوبة باطلة[70].
بالإضافة إلى أن العقوبة التأديبية تشابه العقوبة الجنائية من حيث أنها يسري عليها قاعدة وحدة العقوبة وشخصيتها ، فلا يجوز العقاب عن الفعل مرتين ، ومن غير الممكن عقاب شخص بدل شخص آخر عن خطإ تأديبي ارتكبه ، فلا تتعداه إلى غيره.
أما الطابع الخاص المميز للعقوبة التأديبية أن القانون التأديبي في مجال العقوبة التأديبية لا يعرف العقوبات السالبة للحرية أو المقيدة للحرية [71] ، فقد تكون العقوبات أدبية كالإنذار والتوبيخ وقد تنصرف إلى حرمان القاضي من بعض المزايا الوظيفية كخفض الأجر ، وقد تصل العقوبة مداها فتصل إلى حد العزل في حال ارتكاب خطإ مهني جسيم [72].
كما أن المشرع لم يحدد للأخطاء التأديبية عقوبات محددة على وجه الخصوص ، وإنما ترك ذلك للسلطة التقديرية للجهة المختصة.[73]
ثانيا : شرعية العقوبة التأديبية :
إذا كانت الجهة المختصة بالتأديب تتمتع بسلطة تقديرية في تحديد الأخطاء التأديبية ، فإن الأمر يختلف بالنسبة للعقوبة التأديبية ، حيث يطبق بشأنها مبدأ لا عقوبة إلا بنص ، وعليه فلا يجوز للسلطة المختصة بالتأديب توقيع عقوبة غير منصوص عليها في القانون ، و إلا كانت هذه العقوبة باطلة ،كما لا يجوز أن تبتدع عقوبة جديدة حتى ولو كان ذلك عن طريق القياس على العقوبات التي حددها المشرع[74] ، ذلك أن مبدأ شرعية العقوبة التأديبية يقتضي تحديد العقوبات التأديبية على سبيل الحصر بواسطة نصوص تشريعية وتنظيمية ، وعليه لا يجوز بأي شكل من الأشكال للجهة المختصة بالتأديب تسليط عقوبات غير منصوص عليها قانونا .
وانطلاقا من هذا المبدإ قضى مجلس الدولة الفرنسي أن الملاحظات الشديدة اللهجة لا يمكن اعتبارها عقوبة تأديبية لأن المشرع لم يدرجها ضمن سلم العقوبات [75].
ومنه تنص المادة 71 من القانون الأساسي للقضاء [76]على أنه لوزير العدل توجيه إنذار للقاضي دون ممارسة دعوى تأديبية ضده ، وكذلك يمكن لرؤساء الجهات القضائية توجيه إنذار للقضاة التابعين لنفس الجهة القضائية ؛ مع العلم أن الإنذار غير منصوص عليه كعقوبة في المادة 68 من القانون سالف الذكر ، وبالتالي فلا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار الإنذار عقوبة تأديبية .
غير أن التزام السلطة التأديبية باحترام مبدإ شرعية العقوبة ليس معناه انتفاء كل الجوانب التقديرية لها في هذا الصدد ، ففي المجال التأديبي لا يوجد ارتباط بين الجريمة والعقوبة ، وذلك عكس ما هو مقرر في القانون الجنائي ، ففي القانون الأخير يحدد المشرع الجريمة الجنائية ؛ ثم يضع لها العقوبة المناسبة بحيث يتعين على القاضي ـ في حال ثبوت الجريمة ـ أن يوقع على المتهم العقوبة المقررة ، أما في مجال التأديب فإن سلطة التأديب هي التي تحدد الأفعال المكونة للأخطاء التأديبية ، وهي أيضا تختار العقوبة المناسبة من بين العقوبات المنصوص عليها ، فالمشرع ـ كقاعدة عامة ـ يحدد قائمة العقوبات التي يجوز توقيعها على القاضي المخطئ ، ويترك لهيئة التأديب المختصة العقوبة الملائمة من بين هذه العقوبات [77].
ومن كل هذا فإن الهيئة المختصة بالتأديب حتى ولو كانت مقيدة بالتزام قائمة العقوبات المحددة في القانون فإنها غير مقيدة بتوقيع عقوبة محددة بذاتها بالنظر إلى الخطإ الذي يرتكبه القاضي [78].
ويترتب على تطبيق مبدإ شرعية العقوبة التأديبية في مجال التأديب عدة نتائج أهمها :
أ - عدم عقاب المخطئ عن الخطإ مرتين :
يترتب على مبدإ العقاب نتيجة منطقية وعادلة مؤداها عدم جواز العقاب عن الفعل مرتين ، ولقد أصبحت هذه القاعدة من المبادئ العامة للقانون ، والتي يجب على السلطة التأديبية الالتزام بها حتى ولو لم ينص عليها المشرع صراحة ؛ لكونها تتفق ومبادئ العدل [79]، حيث مجلس الدولة الجزائري قد قضى في أحد أحكامه بما يلى :
" وفي مقام ثاني أهمل المجلس الأعلى للقضاء بكامل هيئته التأديبية الأخذ بعين الاعتبار المبدأ العام القاضي بأنه لا يمكن الفصل في قضية بنفس الوقائع "[80] ، وعليه فإنه لا يمكن العقاب عن نفس الوقائع أو نفس الخطإ مرتين ، وهذا ما يُستقى من قرار مجلس الدولة السالف الذكر .
غير أن تطبيق هذه القاعدة تستوجب أن نكون أمام نفس الأفعال التي سبق أن عوقب من أجلها القاضي ، أما إذا ظهرت وقائع جديدة بعد توقيع العقوبة فإنه يكون من حق الهيئة المختصة بتأديب القاضي معاقبته ثانية عن هذه الوقائع.[81]
كما أن مبدأ عدم جواز عقاب القاضي المخطئ عن الفعل مرتين يستشف من عبارات المادة 69 من القانون الأساسي للقضاء والتي تنص على أنه : " لا يترتب على ارتكاب خطإ تأديبي إلا عقوبة واحدة ... " فعبارة عقوبة واحدة تفيد عدم جواز الجمع بين أكثر من عقوبة إلا أن الفقرة الثانية من نفس المادة قد استثنت العقوبات من الدرجتين الثانية والثالثة ، والتي قد تكون مصحوبة بالنقل.
إلا أن هذه المادة يشوبها لبس[82] ـ فيما يتعلق بالنقل التلقائي ـ وما إذا كان هذا النقل التلقائي عقوبة تبعية يقررها المجلس الأعلى للقضاء ، أم هو إجراء تتخذه الإدارة المركزية لوزارة العدل تلقائيا يصاحب أو يتبع العقوبة الأولى التي قررها المجلس الأعلى للقضاء ، حيث كان بالإمكان ومن الأفضل إضافة عقوبة النقل في صياغة الفقرة الخاصة بالعقوبات من الدرجة الثانية أو الثالثة لتفادي كل تأويل أو احتجاج أو تعسف .
كما أن هذه المادة تتعارض مع عقوبة الدرجة الثالثة ، حيث نصت على أنه لا تترتب على خطإ تأديبي إلا عقوبة واحدة ، في حين جاء في العقوبات من الدرجة الثالثة [83] عقوبتين هما :
1- النقل لمدة أقصاها اثني عشر شهرا ؛ وهي عقوبة.
2- الحرمان من كل المرتب أو جزء منه ؛ وهي عقوبة.
فأين احترام المشرع الجزائري لمبدإ عدم جواز عقاب المخطئ عن الفعل مرتين ؟
ومن ذلك فإنه لا يجوز معاقبة القاضي عن الذنب الواحد مرتين ، وهذه من البديهيات التي تقتضيها العدالة الطبيعية ، ومن الأصول المسلمة في القوانين الجزائية ، وأيًّا كانت طبيعة الجزاء التأديبي الذي وُقع أولا فإنه يجب توقيع عقاب مخالف له ؛ مادام وَقع بالفعل طبقا للأوضاع القانونية الصحيحة [84].
ب - عدم رجعية الجزاء التأديبي :
يقتضي مبدأ عدم رجعية الجزاء التأديبي أن الجزاء لا يترتب أثره إلا من تاريخ توقيعه ،فلا يجوز أن يرتد هذا الأثر إلى تاريخ سابق على ذلك [85] ، وعليه فلا يجوز للهيئة المختصة بالتأديب توقيع عقوبة تأديبية من تاريخ ارتكاب الخطإ التأديبي مهما كانت جسامته أو خطورته حتى ولو ألغى الجزاءُ لعيبٍ في الشكل ؛ فإن إعادة توقيع الجزاء من جديد تصحيحا للعيب لا يمكن أن يتم بأثر رجعي [86].
ج - مبدأ التناسب :
مبدأ التناسب في مجال القانون التأديبي[87] مفاده التزام السلطة التأديبية توقيع الجزاء الذي تقدر ملاءمته لمدى جسامة الخطإ التأديبي بغير مغالاة في الشدة ولا إسراف في الرأفة ، و قد أخذت بهذا المبدإ معظم التشريعات ؛ و هذا حفاظا على حقوق الشخص الخاضع للتأديب الذي قد يكون ضحية نزوات السلطة التأديبية ذات المركز القوي في المعادلة ، و تقتضي عملية التناسب اتباع شروط معينة تتمثل في : القيام بتصنيف الأخطاء التأديبية ، وكذا وضع سلم للعقوبات التأديبية مع ضرورة الأخذ بفكرة الحدين الأقصى و الأدنى في مجال الجزاء التأديبي ،كما تترك للجهة المختصة فرصة اختيار العقوبة التأديبية الأكثر ملاءمة للخطإ المقترف[88]، والقاضي مثله مثل الموظف العام يستفيد من هذا المبدإ ، ولعل قرار مجلس الدولة الجزائري المؤرخ في 27 \07\1998 [89] والذي جاء في حيثياته " حيث أن القاضي مثل كل موظف في الدولة يستفيد وجوبا بحقوق مضمونة دستوريا ، وأن القاضي الإداري ملزم بمراقبة احترام هذه القرارات "
وقد حدد المشرع الجزائري من خلال القانون الأساسي للقضاء 04\11 الأخطاء ،وفي المقابل سلم العقوبات ، وعليه نص على بعض الأخطاء ، والأخطاء الجسيمة [90] كما نص على سلم العقوبات في المادة 68 من نفس القانون.
كما أن مجلس الدولة الجزائري قد أخذ بمبدإ التناسب بين الجزاء والعقوبة ، ويستشف ذلك من خلال القرار الصادر عنه الملف رقم 005240 بتاريخ : 28\01\2002 حيث أبطل مقرر عزل قاضي صادر عن المجلس الأعلى للقضاء لسبب عدم احترام مبدإ التناسب بقوله[91] :
" ...حيث أن قرار مجلس الدولة المؤرخ في 27\07\1998 اعتبر أن العقوبة التي أقرها المجلس الأعلى للقضاء كانت عقوبة غير مناسبة للأخطاء المرتكبة ، وأن المجلس الأعلى للقضاء يبقى ملتزما بالقرارات الصادرة نهائيا عن مجلس الدولة ولا يبقى له تطبيقا للقرار سوى إعادة النظر في العقوبة التي سبق النطق بها ؛ وذلك بتبني عقوبة أقل درجة .." .
ويضاف إلى ما سبق في القضاء الفرنسي قضية عزل القاضي" بيدالو " ، وتتلخص القضية في أن القاضي المذكور قام بإرسال خطاب إلى الرئيس الفرنسي " جيسكار ديستان " بوصفه ضامنا لاستقلال السلطة القضائية ـ حسبما نص الدستور الفرنسي في المادة 64\1 ـ طالبا منه أن يضع نهاية للتدخل الممقوت والمثير للسخرية من جانب السلطة التنفيذية في الأعمال القضائية .
وقد أدى قرار مجلس القضاء الأعلى الفرنسي بعزل القاضي"بيدالو" لسخط القضاة ، وإحداث ردود فعل واسعة في الصحافة الفرنسية ، ولدى النقابات المهنية ورجال الأحزاب السياسة [92] ، كما أعلن رئيس نقابة القضاة آنذاك "فرانسوا روجير"في بيان باسم النقابة : أن قرار عزل القاضي"بيدالو" بعد وصمة عار يتعذر محوها في النظام الجسيكاردياني –نسبة للرئيس جيسكار ديستان – وأن استقلال القضاء قد مات.
إلا أن الدكتور عبد الفتاح مراد[93] يرى : أن عزل القاضي "بيدالو" تم بناء على أخطاء تأديبية ثابتة وبالمستندات-تجاوز القاضي حدود سلطته القضائية- ، وأن العزل قد تم بمعرفة السلطة التأديبية المختصة ، وبعد اتخاذ إجراءات تأديبية سليمة ،كما أن هذا العزل لا يتعارض مع عدم قابلية القاضي للعزل .
بل يرى : أن حكم مجلس القضاء الأعلى الفرنسي حكمٌ يمكن وصفه بأنه قد َغالَ في تقدير الجزاء التأديبي لأن جزاء العزل لا يتناسب مع الخطإ المرتكب من القاضي "بيدالو" .
د - مبدأ التسبيب :
ضمانا لكفالة حق الدفاع أوجب المشرع تسبيب القرارات الصادرة بتوقيع الجزاءات والأحكام التي تصدر عن الهيئة التأديبية ، وطالما كان التسبيب ينطوي تحت مظلة حق الدفاع فإنه يعتبر من الحقوق الدستورية ؛ ومن ثمة كان التسبيب واجبا لكافة القرارات التأديبية وقرارات مجالس التأديب[94] ، فالتسبيب من المبادئ الأساسية للنظام القضائي ، وهو يقتضي تحديد وصف الوقائع وصفا قانونيا مع بيان ما أحاط بها من مؤثرات ، وتكيفها التكيف القانوني ، وصحة إسنادها للأشخاص ومواد القانون واللوائح أو التعليمات بعد مناقشة الأدلة و الدفوع ؛بحيث تكشف الأسباب عن الإلمام بكافة العناصر والإحاطة بجميع الوقائع المنتجة في الإثبات ، والتسبيب يختلف عن السبب ؛ فكل قرار يفترض أن له سبب فالقرار التأديبي بوجه عام سببه إخلال ـ القاضي- بواجبات وظيفته أو اتباعه عمالا من الأعمال المحرمة عليه ، فكل قاض يخالف الواجبات المقررة قانونا ـ والسابق ذكرها ـ أو أوامر الرؤساء في حدود القانون ـ على نحو ما سيأتي ذكره ـ أو يخرج عن مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يرتكب ذنبا تأديبيا هو سبب القرار الذي يسوغ تأديبه نتيجة إرادة السلطة التأديبية في إنشاء أثر قانوني في حقه ، وهو توقيع الجزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانونا.
أما التسبيب فهو شرط صحة القرار التأديبي وفقا للقانون الأساسي للقضاء والقانون المتضمن تشكيل المجلس الأعلى للقضاء .[95]
هذا ويشكل مبدأ التسبيب العامل الأساسي الذي يعتمد عليه القضاء لرقابة العقوبات التأديبية الصادرة عن الهيئات التأديبية ، ذلك أن التسبيب هو الوسيلة التي تعبر لها السلطة التأديبية عن الظروف والأسباب التي جعلتها تتخذ القرار التأديبي[96] ، وعليه يشترط أن يكون تسبيب قرار العقوبة التأديبية واضحا ، ولذلك اشترط المشرع أن تكون قرارات المجلس الأعلى للقضاء معللة ؛ فنصت المادة 32 من القانون 04\12 على أنه : "يبت المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية في القضايا المحالة إليه في جلسة مغلقة ، وتتم أعماله في سرية ، يجب أن تكون مقررات المجلس معللة " [97] .
كما نجد مجلس الدولة الجزائري قد أكد على ضرورة تسبيب الأحكام ومثاله ما قضى به في القرار الصادر بتاريخ : 27\05\2002 عن الغرفة الثانية ملف رقم : 007635 [98].
"حيث أنه بالرجوع إلى القرار التأديبي للمجلس الأعلى للقضاء فإنه غير مسبب تسبيبا كافيا يتماشى ودرجة العقوبة المتمثلة في العزل ـ وهي أقصى عقوبة تأديبية ـ ، واكتفى باعتبار العزل أنه ناشئ عن مناوشة كلامية بين الطاعن ورئيس الجلسة بجلسة 15\02\2000 أدت إلى خروج الرئيس من الجلسة بدون توقيفها أو رفعها تاركا المتقاضين في حيرة من أمرهم والتدخل بصوت عال أثناء جلسة 30\12\1999 العلانية قائلا للرئيس أمام المتقاضين والضحايا والنيابة العامة : عبارات سوقية مهينة أساءت إلى هيئة المحكمة ، وأثرت سلبا على المتقاضين ، ومست بحرمة القضاء ، وشهرت الصحافة المكتوبة بها ، وإن ذلك كله يعد إخلالا بواجب التحفظ ..." .