كتاب " المساءلة التأديبية للقضاة " تأليف أ . شامي يسين .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المساءلة التأديبية للقضاة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

المساءلة التأديبية للقضاة
الفرع الثاني : فكرة الخطإ التأديبي في نظام تأديب القضاة
يطلق الفقه والقضاء على الخطإ التأديبي أسماء مختلفة أهمها : المخالفة التأديبية، والجريمة التأديبية، والذنب الإداري، الخطأ الإداري.[35]
إلا أن القانون الأساسي للقضاء قد تطرق في الفصل الثالث " انضباط القضاة " إلى تسمية أخطاء القضاة بالخطإ التأديبي ، حيث نصت المادة 60 عل أنه : " يعتبر خطأ تأديبيا في مفهوم هذا القانون العضوي..." .
وعليه ارتأينا اختيار تسمية الخطإ التأديبي تماشيا مع خيار المشرع الجزائري.
أولا - ماهية الخطإ التأديبي:
لا تخضع الأخطاء التأديبية كقاعدة عامة لمبدإ لا جريمة بغير نص ،كما هو الحال في القانون الجنائي ؛ لهذا نجد أن معظم التشريعات تخلو من تعريف الخطإ التأديبي مكتفية بالنص على بعض الأخطاء أو الأخطاء الجسيمة كما هو الحال في التشريع الجزائري ، وأهم الواجبات الوظيفية التي يشكل الخروج عنها خطأ تأديبيا تستلزم جزاء تأديبيا ، وعليه سنتعرض إلى تعريف الخطإ التأديبي تشريعا وقضاء وفقها .
أ – تعريفه :
اختلفت النظم القانونية في تعريف الخطإ التأديبي للقاضي ، ذلك أنه من الصعب ان لم يكن من المستحيل تعداد الحالات التي تعتبر خطأ عضو السلطة القضائية خطأ تأديبيا وعليه فلن نتبع منهاج التعداد بل سنتطرق إلى تعريف الخطإ التأديبي تشريعا وفقها وقضاء .
1- تشريعاً :
عرفت المادة 60 من القانون العضوي رقم 04\11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء الخطأ التأديبي بقولها: " يعتبر خطأ تأديبيا ـ في مفهوم هذا القانون ـ كل تقصير يرتكبه القاضي إخلالا بواجباته المهنية .
ويعتبر أيضا خطأ تأديبيا ـ بالنسبة إلى قضاة النيابة ومحافظي الدولة ـ الإخلال بالواجبات الناتجة عن التبعية التدرجية . "
كما نص المشرع الفرنسي في المادة 43 من قانون نظام القضاء رقم 127 الصادر في 22\12\1958 على أنه :" كل تقصير من القاضي لواجبات مهنته أو للشرف و النزاهة أو الكرامة تشكل خطأ تأديبيا ، وهذا الخطأ يتم تقديره بالنسبة لعضو النيابة أو قاضي الإدارة المركزية لوزارة العدل آخذا في الاعتبار الالتزامات التي تنشأ عن الالتزامات التدرجية "[36].
والملاحظ أن المادة 60 الصادرة بموجب القانون العضوي 04\11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء الجزائري هي مستقاة أو شبيهة تماما بالمادة 43 من القانون رقم 127 المؤرخ في 22\12\1958 المتضمن القانون الأساسي للقضاء الفرنسي من حيث الصياغة والتعريف للخطإ التأديبي .
كما نصت المادة 83 من قانون القضاء العدلي اللبناني على أن : " كل إخلال بواجبات الوظيفة وكل عمل يمس الشرف أو الكرامة أو الأدب يؤلف خطأ يعاقب عليه تأديبيا "[37].
وعليه يمكن القول إن التشريعات المقارنة عرفت الخطأ التأديبي بأنه :كل إخلال بالواجبات المهنية للقاضي .
2- فقهاً :
اختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الخطإ التأديبي فنجد أن المستشار الفرنسي" برنار داركوس" يعرفه بأنه :" كل خطإ أو تقصير من القاضي في القيام بالتزامات وظيفته المحددة في القوانين أو اللوائح أو العرف القضائي "،وذهب المستشار الإيطالي مورتسو إل تعرفيه بأنه:" كل إخلال بواجبات الوظيفة طبقا للقوانين وطبقا للتعليمات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء " .
ويرى الأستاذ الأمريكي"بيتر شوك" أن الخطأ التأديبي للقاضي الأمريكي:"هو كل خروج من القاضي عن واجبات وظيفته إيجابا أو سلبا ، سواء كان ذلك داخل أو خارج الخطأ القضائي ."[38]
وتعرفه أخرون بأنه : " كل إخلال بالواجبات المهنية ، وكل عمل يمس الكرامة والاحترام القضائي والأخلاق يعاقب عليه تأديبيا "[39].
ويعرفه بعض الفقه بأنه : " كل عمل أو امتناع عن عمل يرتكبه أحد القضاة داخل أو خارج الوظيفة ، و يتضمن الإخلال بواجبات الوظيفة القضائية أو المساس بكرامتها دون أن يكون هذا العمل أو الامتناع استعمالا لحق أو أداء لواجب طبقا للقانون " .
وعليه فإن الخطأ التأديبي للقاضي هو مخالفة لقاعدة قانونية أو مقتضيات واجبات الوظيفة القضائية ، ومقتضيات الوظيفة القضائية هي الأشياء الكثيرة التي لا يجاهر القانون بمنعها ، بل يدينها ضمنيا أي : لا يمنعها صراحة ، بل ضمنا وهو ما يطلق عليه في الشرع الإسلامي بـ" دلالة الإشارة "[40].
ويرى بعض الفقه أنّ للخطإ التأديبي مفهومين :
مفهوم ضيق للخطإ التأديبي و يقصد به :كل إخلال بأحد الواجبات الوظيفية كما حددتها القوانين و اللوائح سواء كانت واجبات عامة أو خاصة ، ولذلك يسمى بالخطإ الوظيفي .
ومفهوم واسع للخطإ التأديبي ويقصد به :كل إخلال بما ينبغي أن تكون عليه سلوكيات القاضي أو عضو النيابة العامة في حياته الخاصة من فضائل أو قيم أخلاقية عامة مثل : الاستقامة والشرف و الكرامة و الأدب ، فكل ما ينال من هذه القيم يعد خطأ تأديبيا .[41]
وكل ما ينال من هذه القيم ـ حتى ولو كان في نظر القانون سلوكا مشروعا ـ يعد خطأ تأديبيا حتى ولو لم يخل بأحد الواجبات المفروضة على القضاة ، وهذا ما كرسته فرنسا في المادة 43 من القانون الأساسي للقضاة رقم 127 لسنة 1958 [42]. فالحياة الخاصة للقاضي لا تنفصل عن وظيفته
إلا أنه ليس كل ما في الحياة الخاصة يرتبط حتما بالوظيفة ، مؤكد أنه من المستحيل أن نفرق بين ما يرتبط وما لا يرتبط بالوظيفة ، إلا أنه هناك قدر ضئيل من حياة القاضي ولا يرتبط بالوظيفة ولا ينبغي أن يُسأل عنه ألا وهو أسرار الحياة المصونة لكل بشر ، ولا يمكن لأحد الإطلاع عليها :كسوء التفاهم في حياته الزوجية مثلا ، فلا نستطيع اعتبار مثل هذا التصرف تقصيرا منه ، فكما سبق القول ما القاضي إلا بشر.
وبالرغم من توسع مفهوم الخطإ التأديبي ـ كما سبق ورأينا حرصا على نزاهة وسمو منصب القضاء ـ إلا أنه ولابد من أن يكون لهذا التوسع حدود يرسو عندها ، و بالتالي فإن أي عمل يقوم به القاضي يكون من شأنه إحداث اضطراب في التنظيم الإداري للوظيفة القضائية يعرضه للمسؤولية التأديبية.
3 - قضاءً
لم يعرف القضاء الجزائري الخطأ التأديبي وإنما اكتفى بإعطاء صور لأفعال تعتبر أخطاء تأديبية تستوجب العقاب ، ومن ذلك ما قرره مجلس الدولة الجزائري في القرار المؤرخ في 27\05\2002 ملف رقم 007635 ، والذي يقضي بإبطال مقرر عزل ضد قرار المجلس الأعلى للقضاء ، حيث اعتبر مجلس الدولة واجب التحفظ والإخلال به خطأ تأديبيا ،كما اعتبر السب والشتم والعبارات السوقية الماسة بحرمة القضاء أخطاء تأديبية يؤدي الإخلال بها إلى عقوبة العزل وليس أقل من هذه العقوبة .[43]
كذلك القرار رقم 005240 بتاريخ 28\01\2002 اعتبر صراحة أنه تعتبر أخطاء تأديبية ممارسة التجارة باسم الغير مخالفة واجب التحفظ التقصير في أداء المهام ، والتزوير عن طريق تقديم شهادات طبية على سبيل المجاملة ، ومغادرة التراب الوطني دون ترخيص مسبق .[44]
بالإضافة إلي القرار رقم 156112 بتاريخ 20\07\1997 في الطعن المرفوع من القاضي (ي.م ) والذي اعتبر التقصير في أداء المهام خطأ تأديبيا [45] .
أما القضاء الفرنسي فهو الآخر اكتفى بتقديم صور لأفعال تعتبر مخالفات تأديبية من خلال ما قرره مجلس الدولة الفرنسي في الطعن المرفوع من القاضي friant le ضد قرار مجلس القضاء الأعلى بإحالته للمعاش ،حيث اعتبر المجلس مخالفات تأديبية قيام القاضي المذكور بإقامة علاقات غير مشروعة بالعاهرات ،واتصاله بأشخاص ذوي سوابق إجرامية ،وحيازته لأسلحة نارية كبيرة العيار غير مصرح بها ،كما اعتبر قيام وكيل النيابة "بيدالو " بتحرير سلسلة من الخطابات لرؤسائه بألفاظ عنيفة و غير لائقة ، وقيامه كذلك بالاعتراض على السيد رئيس محكمة الجنح المستأنفة في مجال تنظيم المحكمة وسيرها أخطاء تأديبية وجب محاسبة القاضي بمناسبتها[46].
ب الطبيعة القانونية للخطإ التأديبي للقضاة :
لعل التساؤل الـمُثار حول الأسانيد القانونية لتأثيم فعل أو امتناع عنه واعتباره خطأ تأديبيا دون غيره يستحق معاقبة مرتكبه بالجزاءات المقررة له ، ويمكن القول أن الطبيعة القانونية لتأثيم الأخطاء التأديبية للقضاة تعود في هذا الصدد إلى التشريع أو العرف الإداري أو القضاء أو أراء الفقه
1- النصوص التشريعية :
تختلف النصوص التشريعية التي تحدد الواجبات الوظيفية للقضاة وبالتالي تحديد الأخطاء التأديبية لهم عن النصوص التي تحدد مخالفات باقي أعوان الدولة والموظفين العموميين ، وبهذه الحالة فهي تتسع لتشمل [47] :
- الشريعة الإسلامية : فيما تتضمنه من قيم المساواة والعدل وإعطاء كل ذي حق حقه والحكم بين الناس بالعدل ، فالشريعة الإسلامية حددت واجبات القضاة من خلال القرآن والسنة النبوية الشريفة ، وكتب الفقهاء في مجال القضاء ، وبالتالي فهي مصدر من مصادر تأثيم الأخطاء التأديبية للقضاة في كثير من البلاد العربية على الأقل .
- المعاهدات والمواثيق الدولية : فالمعاهدات التي تصادق عليها الدولة والتي يمكن تطبيق فحواها مباشرة بقطع النظر عن أي تشريع داخلي باستثناء الدستور وهي مصدر من مصادر تأثيم الأخطاء التأديبية ، بالإضافة للمواثيق الدولية كوثيقة "بنغالور" الآتي ذكرها و التي تم اعتمادها بموجب الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ووثيقة "الرياض" بشأن سلوك القاضي العربي والتي اعتمدت من طرف الجامعة العربية .
- القوانين المتعلقة بالقضاء والقضاة داخل الدولة : كالقانون الأساسي للقضاء ، ومدونة أخلاقيات مهنة القاضي ، وقانون مكافحة الرشوة ، فهي كلها مصادر لتأثيم خطإ القاضي .
-2 العرف القضائي وقيم وتقاليد القضاء :
من دون شك أن أي تصرف للقاضي يشكل خروجا عن العرف القضائي أو القيم والتقاليد القضائية فإنه يعتبر خطأ تأديبيا يعرض مرتكبة للمساءلة التأديبية ، ومن أمثلة ذلك ما جري عليه العرف في القضاء المصري من عدم تردد رجال القضاء في مصر على أقسام ومراكز الشرطة لعمل محاضر بشأن الوقائع التي تعرض لهم في حياتهم ،وإنما يتم تقديم مذكرة بالواقعة مباشرة للنيابة العامة [48]
3- الأحكام التأديبية الصادرة من المجلس الأعلى للقضاء :
وهي ما يعرف بالقضاء التأديبي للقضاة وهي الأحكام الصادرة من المجالس التأديبية المنطوية تحت المجلس الأعلى للقضاء ، ومثال ذلك الأحكام الصادرة من هذا الأخير في تشكيلته التأديبية فالأحكام الصادرة بهذا الشأن تعتبر مصدرا من مصادر تأثيم الأخطاء الـتأديبية للقضاة .
ثانيا - أركان الخطإ التأديبي للقضاة :
اختلفت الآراء حول أركان الخطإ التأديبي بين عدة اتجاهات ، فمنها ما يرى أن للخطإ التأديبي ثلاث أركان ؛ موظف ينسب له الخطأ ، وركن مادي ، وركن معنوي ، واتجاه يَخْلُصُ إلى أن للخطإ التأديبي ركن مادي ومعنوي وقانوني ، وآخر يري أن له ركن أدبي ،وركن شرعي، وركن مادي ، إلا أن الاتجاه المتفق عليه يري أن للخطأ التأديبي ركنان ،ركن مادي، وركن معنوي [49]
أ - الركن المادي :
أول دليل على وقوع الخطإ التأديبي وارتكابه من طرف القاضي هو عمل مادي يتجلى في المظهر الخارجي .
1- مضمونه :
يلزم لقيام الخطإ التأديبي توافر عنصر مادي يتمثل في الفعل أو المظهر الخارجي الملموس ، والذي يتمثل في فعل محدد يصدر عن القاضي سواء كان إيجابيا أو سلبيا بحيث يمكن تشبيه الخطإ بالعمل الشرطي الذي يثير تطبيق نظام قانوني موضوعي معد سلفا[50] ، وبذلك فإن الركن المادي للمسؤولية التأديبية للقاضي تتمثل في الفعل الإيجابي أو السلبي الذي يتخذه مخالفا بذلك الواجبات الوظيفية الملقاة علي عاتقه[51]، فيتوافر هذا الفعل إذا قام القاضي بأفعال من قبيل الشتم والسب والعبارات السوقية أو ممارس التجارة باسم لغير أو بإنشاء علاقات غير مشروعة مع سيدات عاهرات أو أشخاص ذوي سوابق إجرامية ولا يقلع عن ذلك برغم إنذاره من زملائه عن مغبة سلوكه [52] ، ويتوافر الفعل المادي إذا قام بتقديم استشارات قانونية لجهة محلية تابعة للحكم المحلي نظير أجر وذلك دون استئذان من المجلس الأعلى للقضاء الايطالي [53] ، و بناء على ذلك فإن مجرد تفكير القاضي في ارتكاب الخطإ لا يشكل خطأ تأديبيا طالما أن هذا التفكير لم يخرج إلى حيز الوجود ، كما لا يكفي لتكوين الركن المادي مجرد الاتهامات العامة أو النعوت المرسلة [54].
2- الضوابط القانونية لتوافر الخطإ التأديبي :
تمتلك السلطة التأديبية صلاحيات تقديرية واسعة في تحديد ما يعتبر خطأ تأديبيا ؛ ولكن ذلك لا يعني ـ بأي شكل من الأشكال ـ إهدارا كليا لمبدإ الشرعية ، فلا تملك السلطة المخولة بالتأديب أن تعاقب القاضي على أي فعل يصدر عنه ، بل لابد أن يكون الفعل منطويا على خطإ ما وفقا لقاعدة عامة سواء كان مصدرها القانون أو لائحة أو قرار تنظيمي أو عرف مستقر ملزم أو مبدأ قضائي متواتر. ويتحدد الخطأ وفقا لهذا المفهوم على ضوء عدة ضوابط [55]، فيجب أن لا يكون الفعل المكون للخطإ التأديبي ممارسة لحق مشروع كحق الشكوى ، وحرية العقيدة ، وحق الدفاع عن الوطن ، وقد قضت محكمة النقض المصرية في شأن حرية العقيدة الدينية للقاضي بأنه " وإن كان من البين من مطالعة قرار التنبيه الصادر ضد أحد المستشارين أن رئيس المحكمة الذي أصدره اكتفى فيه بيانا لوقائع من نصوص منشورة من كتابات الطالب حول مبادئ الإسلام وتطبيق شريعته دون أن يضيف أو يسمي ما في سطور هذه الكتابات في لفظها أو فحواها من مخالفات لواجبات أو مقتضيات الوظيفة توجب التنبيه ، وهو ما يصيب القرار المطعون فيه بخطإ في بيان السبب مخالفا للقانون بما يتعين معه الحكم بإلغائه"[56].
كما أنه لا يجب أن يقاس الخطأ التأديبي بمعيار موضوعي ، بل يقتضي النظر إليه بمعيار شخصي –شخص القاضي- لمعرفة ما إذا كان ما قام به هذا الأخير خطأ تأديبيا أم لا ، فمعيار محاسبة فئات معينة من الموظفين كرجال القضاء يقوم على أرقى قواعد السلوك ؛ وعليه قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأنه :
" إذا كان المدعي ليس موظفا عاديا وإنما في درجة مستشار فينبغي أن توازن صلاحياته للبقاء في وظيفته بحسب أرفع مستويات الأخلاق والسلوك التي تتطلبها هذه الوظيفة ، وبحسب ما تستوجبه من أبلغ الحرص على اجتناب مواضع الشبهات "[57].
كما يجب أن يكون الخطأ التأديبي قد ارتكب دون عذر قانوني كالمرض ، وهو ما قضت به محكمة النقض المصرية بأن " مرض القاضي بسبب مفاجئ يبرر انقطاعه عن عمله طبقا للمادة 77\2 من قانون السلطة القضائية..."[58] بالإضافة للضعف العقلي، والقوة القاهرة ، والإكراه المادي والأدبي، والخطأ بسبب سوء تنظيم المرفق ،كما أن الخطأ التأديبي يتأثر بوقوعه في الحالات العادية أو في الظروف الاستثنائية
ب - الركن المعنوي :
لا يكفي الركن المادي لثبوت الخطإ التأديبي ؛ إذ لابد من توافر عناصر أخرى من بينها الركن المعنوي .
1- مضمونه :
يتكون الخطأ التأديبي ـ كما سبق القول ـ من ركن مادي وركن معنوي ولا قيام للخطإ التأديبي دون الركن المعنوي والذي يتمثل في صدور الفعل الإيجابي أو السلبي عن إرادة آثمة ، فإذا تعمد القاضي كان الركن المعنوي هو القصد ، وإذا انصرفت الإرادة للنشاط دون النتيجة كان الركن المعنوي هو الخطأ غير العمدي ، فإرادة النشاط عنصر لازم في الركن المعنوي للمسؤولية التأديبية التي تقوم في كل الحالات على الخطإ ، فإذا لم يتوافر الركن المعنوي فلا تكون هناك مسؤولية تأديبية [59]، ذلك أنه إذا ارتكب الفعل تحت قوة قاهرة ، أو مرض مفاجئ ، أو دفاعا عن النفس ، أو إكراها لا يقاوم ، أو فقد تام للإدراك فلا يُساءَل القاضي حينها ، وتنتفي عنه المسؤولية عندها[60].
2- معيار الخطإ التأديبي للقضاة :
تقوم المسؤولية التأديبية بصفة عامة على فكرة الخطإ الذي يمثل انحرفا في السلوك ، ويعتد بقياس هذا الانحراف بمعيار موضوعي ، يعتد بالظروف الخارجة العامة .
غير أن معيار مسؤولية القضاة تأديبيا يقوم على أساس أرقى قواعد السلوك والفضائل، لأن جلال وظيفة القضاء وسمو رسالته يقتضي ـ من غير شك ـ شدة المساءلة وعسر الحساب ، لأن رجال القضاء ينبغي أن يأخذوا أنفسهم بأوفى الفضائل ، ويبتعدوا بها عن مواطن الشبهات [61].
فالخطأ التأديبي يقصد به إخلال القاضي بالتزاماته المهنية المفروضة عليه ، ومثل هذا الإخلال لا يمكن حصره ، فقوامه ليس مخالفة القاضي لواجباته الوظيفية التي نصت عليها القوانين واللوائح بل تلك التي يقتضيها حسن انتظام العمل .
وينبني على هذا ، ويقوم عليه أن طبيعة الوظيفة القضائية ومالها من قدسية تفرض المزيد من الالتزامات والواجبات على القضاة [62] ؟ـ كما سنأتي على ذكره ـ اذ يتم قياس التصرفات بميزان دقيق مراعاة لهيبة الوظيفة القضائية وكرامتها ؛ ولذلك فإن تصرفا ما قد يكون عاديا ولا يعاقب عليه بالنسبة للموظف العام ، وقد يشكل خطأ تأديبيا بالنسبة للقاضي ، وبالتالي فالركن المعنوي يتوسع لدى القضاة عن غيرهم من الموظفين وأعوان الدولة ، ومعيار الخطأ التأديبي غير ثابت لدى القضاة ، وعليه نجد أن الدكتور عبد الفتاح مراد قد طالب في مؤلفه " المسؤولية التأديبية للقضاة وأعضاء النيابة العامة " بوجوب تقنين الأخطاء التأديبية للقضاة ، وذلك لاختلاف مركزهم القانوني والدستوري عن غيرهم من الموظفين ، ونظرا لاتساع دائرة الواجبات الوظيفية بالنسبة لهم ، وكذا دائرة الأخطاء التأديبية [63].