التصوف كفلسفة والتصوف كسلوك هذا ما نريده من دراستنا المتواضعة هذه والتي هدفنا من خلالها أن نوضح الأسس الموضوعية التي بني عليها مذهب التصوف وقد نعتناه بالمذهب وهو بالواقع لم يكن مذهباً متميزاً من المذاهب الإسلامية لأن التصوف لم يقتصر كفلسفة واقعية على الإسلا
أنت هنا
قراءة كتاب الصوفية وسبيلها إلى الحقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
ويذكر القشيري في الرسالة القشيرية : "وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق ، والأظهر أنه كاللقب : فأما من قال أنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ومن قال أنهم منسوبون إلى صفة مسجد الرسول فالنسبة إلى صفة لا يجئ على نحو الصوفي . ومن قال أنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة . وقول من قال أنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة مع الله تعالى فالمعنى الصحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف " (14) .
ونلاحظ أن القشيري يفسر التصوف بكل الصفات التي قيلت ويختار الصفاء فيرجحه أكثر من غيره لأن التصوف فيه صفاء النفس ونقاؤها .
أما الكلاباذي فيرى أن الصوفي نسبة للصفاء والصفه والصف والصوف واختار الصوف كنسبة أساسية والصفة نسبة لأهل الصفا وهم جماعة من فقراء المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم فلجؤوا إلى مسجد الرسول إلى الصفة وكان أبو هريرة قد وصفهم بقوله : " يخرجون من الجوع حتى تحسبهم الأعراب مجانين وكان لباسهم الصوف حتى كان بعضهم يعرق فيه فيجد فيه ريح الضأن إذا أصابه المطر " (15) .
أما أن ننسب الصوفية إلى الصفاء فهو أكثر رجحاناً ونحن نذكر أن فكرة الصفاء والصفوة كانت هدفاً سياسياً ودينياً واجتماعياً لعدد من الحركات الثورية التي كانت تحمل أهدافاً محدودة في قلب المفاهيم السياسية التي كانت قائمة وقلب المفاهيم الاجتماعية والدينية وعلى هذا الأساس قامت جمعية أخوان الصفا وخلان الوفا وكتمت أسماءها وكتمت اجتماعاتها ودعت إلى قلب المفاهيم السياسية التي كانت قائمة في عهدها وكان ظهور هذه الجماعة في الوقت الذي ظهرت فيه الصوفية . وقد تحدث أخوان الصفا وخلان الوفا في رسائلهم عن التصوف .
وأننا نجد أثرهم في المتصوفة بارزاً حتى أن بعض المفكرين اعتبر أن التصوف هو أحد الإطارات التنظيمية التي أبيح لها الظهور كأفراد أو كمجموعات بدت وكأن آراءها وأفكارها مغلفة بغلاف تنظيم الجماعة . حتى لو قارنا بين آراء أخوان الصفا وبين آراء بعض المتصوفة لوجدنا أن الآراء هبي نفسها مع خلاف التسميات .
وقال مفكرون آخرون أن المنهل نفسه نهل منه المتصوفون وإخوان الصفا وغيرهم من التنظيمات السرية الأخرى ويدلل هؤلاء على أن علاقة الجنيد والحلاج وغيرهم من المتصوفة بحركة الزنج ثم بحركة القرامطة تعطي دليلاً على ذلك .
ويعلق ابن الجوزي على مسألة اللباس لأن لباس القلوب هو أهم من لباس الجسد فيقول : "كان الزهد في بواطن القلوب فصار في ظواهر الثياب . كان الزهد حُرقةً فصار اليوم خرقة ويحك ! صوف قلبك لا جسمك واصلح نيتك لا مرقّعتك"(16) .