التصوف كفلسفة والتصوف كسلوك هذا ما نريده من دراستنا المتواضعة هذه والتي هدفنا من خلالها أن نوضح الأسس الموضوعية التي بني عليها مذهب التصوف وقد نعتناه بالمذهب وهو بالواقع لم يكن مذهباً متميزاً من المذاهب الإسلامية لأن التصوف لم يقتصر كفلسفة واقعية على الإسلا
أنت هنا
قراءة كتاب الصوفية وسبيلها إلى الحقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
وبما أن الصوفية كما شهدنا من خلال التعريف بها أنها دعوة للتقشف ودعوة إلى الفقر ودعوة للزهد في الدين والدنيا فإننا نجد أن المتصوفة كانوا منذ القديم يتخذون لهم مثلاً في عقيدتهم . يشكل هذا الأساس شعاراً إيديولوجياً . فكان علي بن أبي طالب لما يملكه من صفات في خشونة عيشه وفي بطولاته الحربية في نصرة الرسول ونصرة الدين الجديد وفي حياته الخاصة من ملبس خشن و غيره يعتبر الصوف لباسه المفضل وحياته التي كان يعتمد فيها على ما تيسر له من الطعام وكان يقتسم ذلك الطعام أحياناً بينه وبين طالبيه من الفقراء أو كان يحرم نفسه منه لإطعام جائع مضطر بالإضافة إلى كونه يحمل علم النبوة ويرى هذا العلم وهو يزهد في طلب الدنيا ويعمل في أداء فروض الديانة من أجل الحياة الأخرى حياة الخلود في جنة المأوى فكان علي بن أبي طالب المثال الأول الذي يحتذى بعد الرسول الكريم (ص) واعتبرت الصوفية أن الإمام علي هو إمام الصوفية(24) وقد أجمع على ذلك كل المتصوفة بشتى انتماءاتهم المذهبية الشيعية والسنية وغير ذلك .
وكان أبو ذر الغفاري أيضاً من الأمثلة التي كانت المتصوفة يعتبرونها نبراساً في السلوك والعمل . وكذلك كان عمار بن ياسر والبراء بن عازب وهؤلاء صحابة الرسول الذين اختارهم الرسول من بين أصحابه واعتمد عليهم في دعوته وفي استمرار هذه الدعوة من بعده . وكانوا مثال الصحابة المخلصين للرسول (ص) وللدين الذي جاء به .
ونحن لا نقول أن هؤلاء أو ممن كانوا قبلهم أو ممن جاء بعدهم كانوا من المتصوفة لأن التصوف لم يكن معروفاً في زمنهم ولكن سلوكهم الشخصي لم يكن بعيداً عن سلوك المتصوفة واعتمد كثير من المتصوفة في آرائهم على آراء هؤلاء حيث اعتبروا أنهم قد وضعوا الحجر الأساس في بناء التصوف .
ولو قرأنا كتب الصوفية التي توفرت بين أيدينا فإننا نجدها مليئة بأقوال الإمام علي بن أبي طالب ومن ذكرناهم من أصحاب رسول الله . ويمكن القول أن التصوف بدأ بأساس ديني وأساس مذهبي . ولكن التصوف لم يظهر فعلاً كمدرسة منهجية لها أصولها إلا عند ظهور علم الكلام في بداية القرن الثاني الهجري حيث بدأت الفرق الدينية تظهر وبدأت تبحث عن إيديولوجياتها ولقد كان لسلوك الأئمة الشيعة من أبناء الإمام علي وخاصة الحسين الشهيد وعلي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر بن محمد الصادق وزهدهم في الحياة وتمثلهم بالإمام علي في السلوك الديني والاعتقاد الديني كان ذلك تمهيداً لظهور التصوف .ولقد ساهم الإمام جعفر بن محمد الصادق بنشوء التصوف حيث كان الكيميائي المعروف جابر بن حيان تلميذ الإمام جعفر الصادق أول المتصوفين . قد تلقى علومه الدينية والكيميائية على يد الإمام جعفر الصادق .
ولقد بدأ التصوف الإسلامي منهجاً في السلوك . ولم يأخذ دوره كمنهج في العقيدة الصوفية إلا بعد أن توضحت منطلقات الصوفية واتخاذها مبادئها التي بنيت عليها من وحدة الوجود والحلول وطريقة العشـق الإلهي والاتحاد بين الذات الإنسانية والذات الإلهية . إن ذلك لم يتوضح إلا بعد الحلاج وابن عربي والقشيري . ويعتبر ابن عربي بلا شك هو صاحب النظرية الصوفية الإسلامية التي يمكن القول أنها هي من أصل الفلسفة العربية الإسلامية وإن كان العرب يمكنهم أن يدعوا أن هناك فلسفة عربية ذات أصل عربي فإن فلسفة التصوف قطعاً هي وحدها المعنية بهذا الأمر.
ونحن إذا عرضنا هذا العرض التاريخي الموجز فلكي نوضح كيف بدأت المفاهيم الصوفية وكيف تطورت لتصل إلى ما وصلت إليه في اعتباراتها العقائدية الواضحة . ويجب أن ندرس أمراً آخراً ومهماً وهو المصادر التي أثرت في التصوف الإسلامي لأن هناك مصادر أخرى كانت موجودة في الجزيرة العربية وفي الأرض التي وصل إليها العرب واستطاعت أن تؤثر في مجرى الحياة الصوفية .