التصوف كفلسفة والتصوف كسلوك هذا ما نريده من دراستنا المتواضعة هذه والتي هدفنا من خلالها أن نوضح الأسس الموضوعية التي بني عليها مذهب التصوف وقد نعتناه بالمذهب وهو بالواقع لم يكن مذهباً متميزاً من المذاهب الإسلامية لأن التصوف لم يقتصر كفلسفة واقعية على الإسلا
أنت هنا
قراءة كتاب الصوفية وسبيلها إلى الحقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
ولقد عرف الكثير من المتصوفة التصوف تعريفاً حسب نظرتهم للتصوف. والتعريفات كثيرة لكننا سنكتفي ببعضها ولمتصوفين مشهورين وأهم هذه التعريفات:
1ً _ ذو النون المصري : يقول ذو النون المصري : " الصوفي إذا نطق بان منطقه عن الحقائق وإذا سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق"(17).
2ً _ بشر بن حارث الحافي : " الصوفي من صفا الله قلبه " (18) .
3ً _ فريد الدين العطار : " الصوفي من إذا نطق كان كلامه عين حاله فهو لا ينطق بشيء إلا إذا كان هو ذلك الشيء وإذا أمسك عن الكلام عبرت أعماله عن حاله وكانت ناطقة بقطع علائقه الدنيوية " (19)
وقال أيضاً : " الصوفية قوم آثروا الله عز وجل عن كل شئ فآثرهم الله عز وجل عن كل شئ "(20) .
4ً _ سري السقطي : " التصوف اسم لثلاثة معان وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب أو السنة ولا تحمله الكرامات علي هتك أشعار محارم الله ." (21)
5ً _ أبو القاسم الجنيد : " التصوف هو أن يميتك الحق عنه ويحييك به"، وقال أيضاً : " الصوفية هم أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم"(22) .
ثم قال :"الصوفية ذكر مع اجتماع ووجد مع سماع وعمل مع اتباع ."
6ً _ الحلاج : قال : "وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحداً"(23) .
وهناك من التعريفات التي ذكرها الهجويري في كتابه "كشف المحجوب "، وفريد العطار في كتابه "تذكرة الأولياء " والقشيري في " الرسالة القشيرية " ومن هذه التعريفات نجد أن نسبة التصوف إلى الصوف تبين لنا دلالة الحياة القاسية والخشونة التي يعيشها المتصوف الذي تفرض عليه مبادئه وسلوكه الزهد في الدنيا وقهر النفس وحجبها عن شهواتها المادية ولكن هل التصوف فعلاً مجرد لبس الصوف والزهد أم أنه أعمق من ذلك بكثير ؟
مما لا شك فيه أن التصوف نظرية فلسفية أخذت أبعادها فيما بعد وتجاوزت مسألة الزهد والبساطة في اللباس والطعام والبعد عن كل الناس وغير ذلك من توابع التصوف الذي يلحق به ولا يدخل في صميم حياة المتصوفة وأفكارهم وإن من ينظر إلى التصوف نظرة كذلك فإن نظرته تتصف بالسطحية ولا تنفذ إلى الأعماق ولكن لم تصل الصوفية إلى ما وصلت إليه حديثاً إلا بالمرور بمراحل عديدة بدأت بالشكليات التي كان يتناقلها الناس عن حياة المتصوفة . حتى أنه دخلت على التصوف أعمال وأوراد وحالات كان لها أثرها في الصوفية وأصبحت الطرائق الصوفية نوعاً من الرياضة العقلية و القلبية التي يمارسها جماعة متآلفة ترجع أمرها إلى شيخ الطريقة الذي يعتبر سيداً ومصلحاً لأتباعه وأتباعه يأتمرون بما يمليه عليهم من أوامر وأقوال وشيخ الطريقة هو العارف بالله الذي يعتبره أتباعه بمثابة الإمام المعصوم الذي فاز بالمعرفة وأقام في مكان الحضرة الإلهية وعرف الطريق الذي أوصله إلى الله وهو أيضاً الفيلسوف الذي يسعى إلى تخليص البشرية من آلامها ومن عالم الكون والفساد الذي يطمح العارف أن يسلك طريق المعرفة القلبية ويعتقد أن شيخ الطريقة هو الهادي الذي يهدي إلى الحقيقة . وسنتحدث عن هذه الطرائق وعن مشايخها وعن استخدامها لأساليب السحر والكرامات . ولكن لا بد أن نبحث عن تطور المبادئ والآراء الصوفية منذ بدايتها وحتى الآن وأن نوضح أيضاً أهم المبادئ التي أثرت في الصوفية . علماً أن الاعتقاد السائد عند كثير من المفكرين أن التصوف الإسلامي وإن كان قد تأثر بغيره من المذاهب والأفكار إلا أنه يعتبر فلسفة إسلامية ترعرعت في الوسط الإسلامي ونمت حتى أصبح تأثيرها الواضح في الفلسفات العالمية التي تأثرت بها وذلك بفضل الحضارة العربية الإسلامية .